المذكور - بعد أن نقل ما قدمنا من عبارة الذكرى - قال: " وفيه نظر، فإنا لا نسلم بقاء حدثه، قولك: النجس لا تحصل به الطهارة قلنا النجس في نفس الأمر أو النجس في علم المكلف، الأول ممنوع، والثاني مسلم، ويؤيده أنا مكلفون مع عدم العلم بالنجاسة لا مع العلم بعدمها، لاستلزام ذلك الحرج المنفي بالآي والأخبار، وعلى هذا فكون صلاته فاسدة ممنوع، وصدق الفوات بالنسبة إليه غير ظاهر، كيف وهو قد فعل المأمور به شرعا وامتثال الأمر يوجب الجزاء والصحة. أما الأول فلأنه مأمور بالطهارة بماء محكوم بطهارته شرعا أي ما كان طاهرا في الظاهر لا في نفس الأمر، لأن الشارع لم يلتفت إلى نفس الأمر لتعذره، وأما الثاني فلما ثبت في الأصول " انتهى.
وهذه المسألة من جملة ما أشبعنا الكلام في تحقيقها في كتاب المسائل إلا أنا بعد لم نقف على كلام هذين الفاضلين. وبعض المعاصرين استبعد ما ذهبنا إليه لمخالفته ما هو المشهور، حيث إن طبيعة الناس جبلت على متابعة المشهورات وإن أنكروا بظاهرهم تقليد الأموات، وقد وفق الله سبحانه للوقوف على كلام الفاضلين المذكورين فأثبتناه هنا لا للاستعانة على قوة ما ذهبنا إليه بل لكسر سورة نزاع ما ذكرناه من المعاصرين، لعدم قبولهم إلا لكلام المتقدمين.
(المسألة الثامنة) - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الطهارة بالماء المغصوب عالما عامدا، وهو لا اشكال فيه. أما مع الجهل فظاهرهم هنا الاتفاق على عدم التحريم والابطال، لعدم توجه النهي إليه. وأما نسيان الغصب فهل يكون حكمه حكم العبد كما ذكروا في ناسي النجاسة. فيتوجه إليه النهي، لأن النسيان إنما عرض له بقلة التكرار الموجب للتذكار، أو حكم الجاهل لامتناع تكليف الغافل؟
قولان: اختار أولهما العلامة في القواعد، وثانيهما أول الشهيدين في الرسالة، وثانيهما في شرحها، وثاني المحققين في شرح الرسالة المذكورة وفي رسالته الجعفرية، وشارحاها في شرحيهما، وهو الأظهر لما حققناه آنفا.