ليس إلا عبارة عن عدم العلم بملاقاة النجاسة لا العلم بالعدم، فكذلك أيضا يقين الطهارة للصلاة من وضوء وغسل وتيمم ليس إلا عبارة عن فعلها مع عدم العلم بناقض لها لا مع العلم بالعدم، وحينئذ فالمراد بهذا اليقين المذكور في الأخبار ما هو أعم من اليقين الواقعي أعني العلم بالعدم والظن باصطلاحهم، وليس له فرد يقابله إلا الشك خاصة الذي هو عبارة عن تجويز المخالفة واحتمالها، والحمل على الشك الذي هو عبارة عن المعنى المشهور بينهم اصطلاح متأخر مخالف لكلام أهل اللغة، حيث نص في القاموس والصحاح على أن الشك خلاف اليقين، مع أنهم قد قرروا في غير موضع وجوب حمل الألفاظ الواردة في كلام حافظ الشريعة مع عدم الحقيقة الشرعية أو العرفية الخاصة على المعنى اللغوي، وحينئذ فالشك في الحدث مع تيقن الطهارة - مثلا - ليس إلا عبارة عن تيقن فعل الطهارة مع عدم العلم بالناقض لها ثم يحصل له بسبب عروض بعض الأشياء شك في انتقاض طهارته يعني احتمال وتجويز انتقاضها، أعم من أن يكون ذلك الاحتمال والتجويز قويا كما ربما عبر عنه في الأخبار بالظن أو ضعيفا يعبر عنه بالوهم أو الشك، وأما لو توضأ صبحا ثم إنه شك في آخر النهار بسبب طول المدة في أنه هل أحدث أم لا وإن كان من عادته في سائر الأيام الحدث في أثناء النهار وعدم الوضوء فهذا لا يخرج عما ذكرنا أيضا، فالعمل على هذا الشك خيال نفساني بل وسواس شيطاني وإن قوي حتى يبلغ مرتبة الظن، بل هذا مقتضى ما ذكرنا من الأخبار متطهر يقينا يعمل على يقين طهارته وبذلك يظهر لك ما في كلام هؤلاء الفضلاء (نور الله تعالى تربتهم وأعلى رتبتهم) ولا سيما كلام شيخنا البهائي، هذا هو التحقيق في المقام والله سبحانه الهادي إلى سواء الطريق في جملة الأحكام.
(المسألة الخامسة عشرة) - لو تيقن الطهارة والحدث معا وشك في المتأخر فقد أطلق الأكثر سيما المتقدمين وجوب الوضوء، لعموم الأوامر الدالة على وجوب الوضوء عند إرادة الصلاة من الكتاب والسنة، خرج منه متيقن الطهارة، ويدل عليه