رجحان الفعل شرعا وقصد إلى ايقاعه لوجه الله سبحانه، كفى من غير تعرض فيه لقصد وجوب أو استحباب.
(المقام السادس) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز تقديم النية في الوضوء والغسل عند غسل اليدين المستحب، بل حكم العلامة في المنتهى بالاستحباب، وجوزه ابن إدريس في الغسل دون الوضوء، فخص الجواز فيه بالمضمضة والاستنشاق، ومنع صاحب البشرى من ذلك مطلقا، وأوجب التأخير إلى أول الأفعال الواجبة، نظرا إلى عدم دخول ما تقدم في مسمى الوضوء أو الغسل حقيقة، وأيده بعضهم بأنه كيف ينوي الوجوب ويقارن به ما ليس بواجب ويجعله داخلا فيه؟ ولهذا لم يجوزوا تقديمها ومقارنتها لسائر المندوبات مثل السواك والتسمية اجماعا.
أقول: ويؤيده أيضا أنه لو ساغ ذلك لجاز مثله في الصلاة أيضا، فيقدم النية في أول الإقامة رخصة مع أنهم لا يجوزونه، والفرق بين الموضعين غير ظاهر.
وبالجملة فحيث كانت المسألة خالية من النص فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط. وخبر - (إنما الأعمال بالنيات) و (لا عمل إلا بنية) (1) مع تسليم حمل النية فيه على المعنى الشرعي، باعتبار احتمال الباء فيه للمصلحة فيمتنع التقديم، أو الملابسة المطلقة فيجوز، أو السببية التي هي أعم من الناقصة والتامة فيحتملها - فيه - كما ترى - من الاجمال والاحتمال ما يخرج به عن حيز الاستدلال.
وأنت خبير بأن الظاهر أن الأمر في هذه المسألة بناء على ما حققناه من معنى والنية هين، فإن القصد إلى ايقاع الفعل لما كان مما لا يمكن الانفكاك عنه ولا الاصدار بدونه، وأن المقارنة التي ادعوها لا دليل عليها، فمن المعلوم أن المكلف متى جلس للوضوء عالما بكيفيته شرعا والغرض منه، فلا يكون البتة إلا عن قصد إلى ايقاع هذه الكيفية متقربا بها، وحينئذ فلا معنى لتقديم النية وتأخيرها، أو أفراد كل من مستحباته