وأنت خبير بأن ما ذكروه من الجواب وإن اندفع به الاشكال بالنسبة إلى النية لكن الاشكال باعتبار لزوم كون شئ واحد في نفس الأمر واجبا وندبا باق على حاله والأشكال المذكور على هذا لا اختصاص له بنية الجميع كما ذكروا بل نية أحدهما أيضا بأن يقال لو كان الغسل الواحد مجزئا عن الجميع لكان واجبا ومندوبا، وهو محال لتضادهما وما ذكروه من تأدي الوظيفة المستحبة بفعل الواجبة لا يحسم مادة الاشكال، لأن تأدي وظيفة المستحب - بمعنى استحقاق ما يترتب عليه من الثواب بفعل الواجب - تقتضي كون ذلك الغسل مستحبا، لأن ما يكون امتثالا للأمر المذكور يلزم أن يكون ندبا قطعا. وبالجملة فلما كان الوجوب والندب صفتين متضادتين فكما لا يتأدى الواجب بالاتيان بالمندوب فكذا العكس.
وأما ما ذكر - من مثال صلاة التحية وصيام أيام البيض - فيمكن الجواب بأن مقصود الشارع ثمة هو ايقاع العبادة في هذا المكان والزمان المخصوصين من حيث هي أعم من أن يكون بوجه الوجوب أو الندب، لا خصوصية المندوب، بخلاف ما نحن فيه بناء على ما يدعونه من عدم رفع المندوب، فإن خصوصية كل واحد ملحوظة على حدة، لعدم الاشتراك في أمر كلي يجمعهما حتى يجعل ذلك الأمر الكلي موجبا لاجزاء أحد الفردين عن الآخر واندراجه تحته.
وأجاب بعض فضلاء متأخري المتأخرين عن الاشكال المذكور - بعد الاعتراف بلزوم ما ذكرنا - بالتزام ذلك ومنع استحالته لاختلاف الجهة، قال: " فإن هذا الغسل الواحد من حيث إنه فرد لغسل الجمعة وامتثال للأمر به مستحب، ومن حيث إنه فرد لغسل الجنابة وامتثال للأمر به واجب ".
ولا يخفى ما فيه أيضا، فإن الطبيعة إنما تكون متعلقة للتكاليف باعتبار اتحادها