بالحج ويثني بالعمرة، أو يبدأ بالعمرة ويثني بالحج، أو يحرم بالحج والعمرة معا، والأول يفسد بأن أحدا من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة. والقسم الأخير باطل لأن عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحج والعمرة كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين، فلم يبق إلا وجوب القسم الأخير وهو التمتع الذي ذهبنا إليه.
فإن قيل: قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطاب (١) وأمسكت الأمة عنه راضية بقوله.
قلنا: نهي من ليس بمعصوم عن الفعال لا يدل على قبحه، والإمساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا، وقد بينا ذلك وبسطناه في كثير من كتبنا.
وبعد فإن الفقهاء والمحصلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن (٢) إن نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه منها أنه أراد أن يكون الحج في أشهر المخصوصة به والعمرة في غير تلك الشهور، ومنها: إنه أحب عمارة البيت وإن يكثر زواره في غير الموسم، ومنها أنه أراد إدخال المرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، ورووا في تقوية هذه المعاني أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها.
وفيهم من حمل نهي عمر عن المتعة على فسخ الحج إذا طاف له قبل يوم