لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه وهم في شغل بالهم وكأن أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان فلما طال ذلك ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله فرأهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذ فطنا فخرجا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنزلت الآية فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضا ولم يكن له عهد بذلك * (تنبيه) * ظاهر الرواية الثانية أن الآية نزلت قبل قيام القوم وا لاولى وغيرها أنها نزلت بعد فيجمع بان المراد أنها نزلت حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا ووقع في رواية الجعد فرجع فدخل البيت وارخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله من الحق وفي الحديث م ن الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين قال عياض فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وأن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها انتهى وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الاشخاص وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب وسيأتي في آخر الحديث الذي يليه مزيد بيان لذلك (قوله وقال بن أبي مريم أنبأنا يحيى حدثني حميد سمعت أنسا) مراده بذلك أن عنعنة حميد في هذا الحديث غير مؤثرة لأنه ورد عنه التصريح بالسماع لهذا الحديث منه ويحيى المذكور هو ابن أبي أيوب الغافقي المصري وابن أبي مريم من شيوخ البخاري واسمه سعيد بن الحكم ووقع في بعض النسخ من رواية أبي ذر وقال إبراهيم بن أبي مريم وهو تغيير فاحش وإنما هو سعيد * الحديث الثالث حديث عائشة خرجت سودة أي بنت زمعة أم المؤمنين بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة قال الكرماني فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب فالجواب لعله وقع مرتين (قلت) بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله عليه الصلاة والسلام أحجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج وقد اعترض بعض الشراح بأن إيراد الحديث المذكور في الباب ليس مطابقا بل إيراده في عدم الحجاب أولى وأجيب بأنه أحال على أصل الحديث كعادته وكأنه أشار إلى أن الجمع بين الحديثين ممكن والله أعلم وقد وقع في رواية مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعي فقال حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب ويمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب فلقربه منها أطلقت نزول الحجاب بهذا السبب ولا مانع من تعدد الأسباب وقد أخرج بن مردويه من حديث ابن
(٤٠٨)