والقصر انما يكون من شئ أطول منه ويدل على أنه رخصة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره وفى هذا الجواب نظر اما أولا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم انها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك وأما قول امام الحرمين لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه أيضا نظر لان التواتر في مثل هذا غير لازم وقالوا أيضا يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفى السفر ركعتين أخرجه مسلم والجواب انه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس كما سيأتي فلا تعارض وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأى الصحابي روايته بأنهم يقولون العبرة بما رأى لا بما روى وخالفوا ذلك هنا فقد ثبت عن عائشة انها كانت تتم في السفر فدل ذلك على أن المروى عنها غير ثابت والجواب عنهم ان عروة الراوي عنها قد قال لما سئل عن اتمامها في السفر انها تأولت كما تأول عثمان فعلى هذا لا تعارض بين روايتها وبين رأيها فروايتها صحيحة ورأيها مبنى على ما تأولت والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة السابقة ان الصلوات فرضت ليلة الاسراء ركعتين ركعتين لا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة الا الصبح كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار اه ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهى قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند ان قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره ان نزول آية الخوف كان فيها وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما فعلى هذا المراد بقول عائشة فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الامر من التخفيف لا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة وأما ما وقع في حديث ابن عباس والخوف ركعة فالبحث فيه يجئ إن شاء الله تعالى في صلاة الخوف * (فائدة) * ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الاسراء صلاة مفروضة الا ما كان وقع الامر به من صلاة الليل من غير تحديد وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداوة وركعتين بالعشى وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم ان صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعلى فاقرؤا ما تيسر منه فصار الفرض قيام بعض الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال الآية تدل على أن قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه انما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها وآخرون يقاتلون في سبيل الله والقتال انما وقع بالمدينة لا بمكة والاسراء كان بمكة قبل ذلك اه وما استدل به غير واضح لان قوله تعالى علم أن سيكون ظاهر في الاستقبال فكأنه سبحانه وتعالى امتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم والله أعلم
(٣٩٣)