مضافا إلى ما ذكرنا سابقا من أن المسلم الراوي الثقة لا يفعل ما ينافي الوثاقة، أي التعمد للكذب والافتراء - اختيارا -.
أما أنه لا يصدر عنه إلا المشروع واقعا - أي باعتقاده الظاهري - فلو قلنا بانسداد باب السهو والغفلة، واحتمال اعوجاج السليقة، وكونه معصوما؛ فلما ذكره وجه، وإلا فقد مر ما يوجب التزلزل، ولا مفر له [عنه] فلاحظ.
وأما الوجوه التي تمسك بها صاحب الحدائق في مقام إبطال الاصطلاح الجديد - كما تمسك بأغلبها السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات المجلد الأول من شرح تهذيب الأحكام - فقد مرت الإشارة إلى جوابها مستدلا عليه، إلا الوجه الثاني وهو الذي ذكره الحر في المجلد الأخير من الوسائل (1) وجعله الخامس عشر، [ونحن] وإن ذكرنا جوابه على نحو الإجمال، لكن لما ادعى الحر في آخره أنه إلزام لا مفر لهم عنه عند الإنصاف، فاللازم علينا أن نذكر عين عبارته، ثم الجواب عنه مفصلا.
قال في الحدائق (2): الثاني: أن التوثيق والجرح الذي بنوا عليه تنويع الأخبار إنما أخذوه من كلام القدماء، وكذلك الأخبار التي رويت في أحوال الرواة من المدح والذم إنما أخذوها عنهم، وإذا اعتمدوا عليهم في مثل ذلك فكيف لا يعتمدون عليهم في تصحيح ما صححوه من الأخبار واعتمدوه وضمنوا صحته - كما صرح به جماعة منهم - كما لا يخفى على من لاحظ ديباجتي الكافي والفقيه وكلام الشيخ في العدة وكتابي الأخبار، فإن كانوا ثقاتا عدولا في الإخبار بما أخبروا به؛ ففي الجميع، وإلا فالواجب تحصيل الجرح والتعديل من غير كتبهم، وأنى لهم به.
إلى أن قال: فإن قيل: تصحيح ما حكموا بصحته أمر اجتهادي لا يجب تقليدهم فيه، ونقلهم المدح والذم رواية يعتمد عليهم فيها.
قلنا: