وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء والعجب والكبر من السعي التام في التحصيل، وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غير ذلك؛ فإن الحكمة ضالة المؤمن كلما وجدها أخذها.
ثم ليصبر على جفاء شيخه من شتمه إياه والإعراض عنه وطرده، وليكثر من الشيوخ كما كانت عليه عادة السلف؛ فإن فوائد الاستكثار كثيرة وبركاته وفيرة حتى في أمثال الإجازات العامة والمكاتبات والمناولات، ولكن ينبغي أن يكون الملحوظ من الاستكثار الفوائد والأغراض الصحيحة لا مجرد اسم الكثرة.
ومن أعجب الأمور وأغربها ما ذكر بعض فضلاء العامة من أن أبا سعيد إسماعيل ابن علي السماك الرازي الحافظ الكبير الرجالي صاحب التصانيف قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لم ير مثل نفسه، وهو القائل: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. (1) توفي سنة 444 ه.
ثم ليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله ولا ينتخب، فإن احتاج إليه تولاه بنفسه فإن قصر عنه استعاره بحافظ ثقة ونحوه.
ولا ينبغي أن يقتصر على سماعه وكتبه دون معرفته وفهمه فليتعرف صحته و ضعفه وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه مطلقا ودقائق المعارف ورقائق الحكم في الأخبار المتعلقة بأصول العقائد والحكمة النظرية والعملية وما يتعلق بأسماء رجاله محققا كل ذلك معتنيا بإتقان المشكلات والمعضلات في كل باب حفظا وكتابة، مقدما كتب المحمدين الثلاثة ثقة الإسلام الكليني والصدوق وشيخ الطائفة ومن يحذو حذوهم - رضي الله عنهم - ثم ما تمس إليه الحاجة من أي عالم ومحدث كان من علمائنا ومحدثينا.
ثم إن في تتبع كتب الأحاديث من العامة فوائد كثيرة وعوائد وفيرة من إلزامهم و إفحامهم وزيادة البصيرة في أمر السلف ونحو ذلك، ولم يذق حلاوة ذلك إلا النطس