فهذا أعلى الطرق وأشرف الأقسام وأرفعها عند المحققين. فيقول السامع المتحمل إذا روى: " سمعت " و " حدثني " و " أخبرني " و " أنبأني " فإن أتى بصيغة الجمع كأن يقول: " حدثنا فلان " أو " أخبرنا " أو " أنبأنا " أو " سمعنا فلانا يقول ". فهو دليل على أنه سمعه مع غيره وقد تكون النون للتعظيم لكن بقلة.
وأرفع هذه الصيغ وأصرحها " سمعت "؛ لأن هذا لا يحتمل الواسطة، ولأن " حدثني " قد يطلق في الإجازة تدليسا. وأشرف الصيغ شأنا وأرفعها مقدارا ما وقع في الإملاء؛ لما فيه من التثبت والتحفظ.
وقد يقال: إن " حدثنا " و " أخبرنا " أرفع من " سمعت " من جهة؛ إذ ليس في " سمعت " دلالة على أن الشيخ رواه إياه بخلافهما، (1) وفيه نظر جلي؛ فتأمل.
وقيل: " الإنباء من حيث اللغة واصطلاح المتقدمين بمعنى الإخبار، إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة ك " عن ".
وعنعنة المعاصر محمولة على السماع، بخلاف غير المعاصر فإنها تكون مرسلة أو منقطعة، فشرط حملها على السماع ثبوت المعاصرة إلا من المدلس ".
وقد يقال: " إنه يشترط في حمل عنعنة المعاصر على السماع ثبوت لقائهما ولو مرة واحدة، ليحصل الأمن في باقي مروياته بالعنعنة عن كونه من المرسل الخفي ". (2) هذا، وأنت خبير بما فيه من الركاكة، فتأمل.
وأما " قال لنا فلان " أو " ذكر لنا " فهذا من قبيل " حدثنا "، لكنه بما سمع في المذاكرة والمناظرة أشبه وأليق من " حدثنا ".
وكيف كان؛ فإن أوضح العبارات " قال فلان " من غير أن يقول " لي " أو " لنا "، ومع ذلك فهو محمول على السماع إذا عرف اللقاء. وأما ما عن البعض من أن حمل ذلك على السماع إنما هو ممن عرف منه ذلك، فمن الدعاوي الجزافية، فتأمل.