منقطعة ومرسلة (1)، ويقول الليث بن سعد في خطاب له إلى مالك (ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم بالمدينة وغيرها ورأسهم يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن (2). وربيعة بن أبي عبد الرحمن المتوفى سنة 136 ه هو أحد شيوخ مالك، وهو الذي قال فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة (3)، وقال سوار بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة (4)، كان مالك يحضر مجلس ربيعة ويحدث عنه، ويقول الليث بن سعد لمالك:
وكان من خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى ما قد عرفت وحضرت؟ وسمعت قولك فيه حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه (5)) فخطاب الليث يدل على أن مالكا لم يكن صغيرا عندما فارق مجلس ربيعة الرأي إنما كان في سن يستطيع بها أن ينكر على ربيعة بعض أقواله، وهذا لا يتأتى إلا من رجل بلغ من النضوج الفكري حدا كبيرا، كما أنه يدل على أنه ظل يحضر مجلس ربيعة مدة طويلة، ومع ذلك فإننا نرى في الموطأ اثنى عشر حديثا منها خمسة مسندة وواحد مرسل وستة من بلاغاته (6) رواها مالك عن ربيعة.
كذلك روى مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر المتوفى سنة 120 ه. ونافع هو الذي بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلمهم القرآن والسنة (7)، وكان يلقب بفقيه المدينة، لزمه مالك وهو غلام نصف (8) النهار وكان مالك يقول: كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي ألا أسمعه من أحد غيره (9)، وأهل الحديث يقولون رواية مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء الرواة (10)، وقد روى له مالك في الموطأ ثمانين حديثا (11).
يذكر المؤرخون أن جعفر الصادق كان من شيوخ مالك، وجعفر أحد أئمة الشيعة، وكان من علماء المدينة المعروفين بالعلم والدين، ويروى الشيعة عن طريقه أحاديث كثيرة لا نجدها إلا في كتب الشيعة ويكفى أن نلقى نظرة إلى كتاب بحار الأنوار للمجلسي وكتاب دعائم الاسلام للقاضي النعمان بن محمد بن حيون المغربي لندرك إلى أي حد تنسب إلى جعفر الصادق هذه الأحاديث الكثيرة، ولم يكتف أصحابه بنسبة هذه الأحاديث إليه، بل نسبوا إليه كتبا عديدة في الصنعة [الكيمياء] وكتبا أخرى في الفلك والرياضة وكتاب الجفر الذي ينبئ عن الغيب. ولكن أكثر الباحثين المحدثين يرون أن ما روى عن الصادق لا يزال في حاجة إلى إثبات وتدليل.
فجعفر الصادق عند المحدثين له شخصيتان، شخصية العالم الورع نراها في كتب أهل السنة وكتب المعتدلين من المؤرخين. وشخصية أخرى أضفاها عليه بعض المسرفين من الشيعة. ويكفى أن نذكر أن حركة أبى الخطاب الأسدي كانت من أشد الحركات إسرافا في إسباغ النعوت والصفات على الصادق. وتذكر كتب الشيعة أن الصادق اضطر إلى التبرؤ منه ومن أتباعه وأحل قتله، والمعروف عن جعفر أنه لم يسهم في الحركات السياسية التي كان يقوم بها