الشيعة، ولم يقم بالدعوة لنفسه، بل كان يؤثر مسألة أولي الأمر من الأمويين والعباسيين، ويروى الداعي إدريس مؤرخ طائفة الإسماعيلية في الجزء الرابع من كتابه عيون الأخبار أن أبا مسلم الخراساني أرسل إلى الصادق مع رسول أمين يطلب منه أن يقبل أن تكون الدعوة له، فقرأ الصادق الرسالة ثم حرقها وأمر الرسول أن يبلغ أبا مسلم ما رآه، فهذه القصة سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة تصور لنا رغبة الصادق عن الحكم وزهده في الرياسة الدنيوية، فليس بغريب أن يأخذ إمام من أئمة أهل السنة شيئا من علم هذا الامام الشيعي، وإذا صح ما رواه صاحب الديباج من أن لمالك عدة كتب في الفلك والرياضيات، فلعله أخذ ذلك عن جعفر الصادق كما أنه أخرج له في الموطأ تسعة أحاديث منها خمسة متصلة مسندة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الطويل في الحج والأربعة منقطعة (1).
هؤلاء هم أشهر العلماء الذين تتلمذ عليهم الامام، مع أنه لاقى كثيرين ممن وفدوا على الحجاز للحج وروى عنهم، فلم يذكر عن مالك أنه رحل في طلب العلم مع أن الرحلة في ذلك الوقت كانت من أهم مقومات العالم ولا سيما للمحدث، وربما كان ذلك لان الامام كان يعتقد كما اعتقد غيره من العلماء أن العلم هو علم المدينة، وفى ذلك يقول الليث بن سعد: (وإني يحق على الجوف؟؟ على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيهم به، وأن الناس تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأما ما ذكرت من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ونزل القرآن بها عليه بين أصحابه وما علمهم الله منه، وأن الناس صاروا تبعا لهم فيه فكما ذكرت) (2). فلهذا لم يأبه مالك بالرحلة العلمية ما دام العلم هو علم أهل المدينة.
وفى حياة الامام مالك شاهد العالم الاسلامي تطورات خطيرة كان لها أثرها القوى في الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية، ففي هذه السنوات نشطت دعوة العباسيين وتطورت هذه الدعوة إلى انقلاب الحكومة، فسقطت دولة بنى أمية، وتولى العباسيون الامر، وتتبعوا الأمويين ومن لاذ بهم قتلا وتعذيبا، وسقوط دولة وقيام أخرى يؤدى دائما إلى لون من الاضطراب بين الناس، ويوجد فيهم شيئا من عدم الطمأنينة ومن تبلبل الأفكار، فمنهم من يتخذ التقية فيضمر غير ما يظهر، ومنهم من يستسلم للامر الواقع ولا يأبه بمجرى الحوادث حوله، ومنهم من يقوم مع الحكومة الجديدة ابتغاء التقرب والزلفى لدى أولي الأمر، ومنهم من يؤازر الحركات التي ترمى إلى عودة الحكومة القديمة، هذا ما نراه في التاريخ في كل العصور وفى كل انقلاب يحدث، وهذا ما حدث في التاريخ الاسلامي عند انتقال الحكم إلى العباسيين، على أن العباسيين لم يخشوا أمر الأمويين خشيتهم من حزب العلويين، وكان الحجاز عامة والمدينة خاصة وكر الدعوة العلوية، وفيها كان الإمام جعفر الصادق - إمام الشيعة على اختلاف فرقها التي عرفت بعد وفاة الصادق سنة 148 ه من إسماعيلية ومباركية واثنى عشرية وغيرها - وفيها خرج محمد ابن عبد الله المعروف بالنفس الزكية سنة 145 ه وخرج معه عدد من علماء المدينة منهم ابن هرمز أحد شيوخ