النسخة الأولى المفهومة من الموطأ عند الاطلاق في عصرنا. هي نسخة يحيى بن يحيى المصمودي.
وهو أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملل بن منقايا المصمودي. نسبة إلى مصمودة، قبيلة من البربر.
أخذ يحيى الموطأ، أولا، من زياد بن عبد الرحمن بن زياد اللخمي، المعروف بشبطون.
وكان زياد أول من أدخل مذهب مالك في الأندلس.
ورحل إلى مالك للاستفادة مرتين. ورجع إلى وطنه واشتغل بإفادة علوم الحديث. وطلب منه أمير قرطبة قبول قضاء قرطبة، فامتنع. وكان متورعا زاهدا، مشارا إليه في عصره.
وارتحل يحيى إلى المدينة، فسمع الموطأ من مالك بلا واسطة. إلا ثلاثة أبواب من كتاب الاعتكاف (باب خروج المعتكف إلى العيد - وباب قضاء الاعتكاف - وباب النكاح في الاعتكاف).
وكانت ملاقاته وسماعاته في السنة التي مات فيها مالك. يعنى سنة تسع وأربعين ومائة. وكان حاضرا في تجهيزه وتكفينه وأخذ الموطأ أيضا من أجل تلامذة مالك، عبد الله بن وهب. وأدرك كثيرا من أصحابه، وأخذ العلم عنهم.
ووقعت له رحلتان في وطنه:
ففي الأولى، أخذ عن مالك، وعبد الله بن وهب، وليث بن سعد المصري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وفى الثانية، أخذ العلم والفقه عن ابن القاسم صاحب المدونة. من أعيان تلامذة مالك.
قال الامام الزرقاني: كان يحيى عند مالك. فقيل هذا الفيل. فخرجوا لرؤيته ولم يخرج. فقال مالك له: لم لم تخرج لنظر الفيل، وهو لا يكون ببلادك؟ فقال: لم أرحل لأنظر الفيل، وإنما رحلت لأشاهدك، وأتعلم من علمك وهديك. فأعجبه ذلك، وسماه عاقل الأندلس وإليه انتهت رياسة الفقه بها. وانتشر به المذهب. وتفقه به من لا يحصى. وعرض للقضاء فامتنع، فعلت رتبته على القضاة. وقبل قوله عند السلطان. فلا يولى قاضيا في أقطاره إلا بمشورته واختياره. ولا يشير إلا بأصحابه فأقبل الناس عليه لبلوغ أغراضهم.
وهذا سبب اشتهار الموطأ بالمغرب من روايته دون غيره.
(قلت) ولكن يبقى معرفة سبب اشتهاره في العالم الاسلامي، والاعتماد عليه دون سواه.
وبعد ما صار جامعا بين الرواية والدراية عاد إلى أوطانه، وأقام بالأندلس، يدرس ويفتى على مذهب مالك.
وبه وبعيسى بن دينار، تلميذ مالك، انتشر مذهب مالك في بلاد المغرب.
وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين بعد المائتين.
النسخة الثانية نسخة ابن وهب، وهو أبو محمد عبد الله بن سلمة الفهري المصري. ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين