الامام مالك بن أنس وكتاب الموطأ للأستاذ الدكتور محمد كامل حسين أستاذ الأدب المساعد بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول منذ أقدم عصور التاريخ والناس في لهفة إلى تتبع تاريخ عظمائهم، ومن كان له أثر قوى في حياتهم، ولا سيما هؤلاء الذين كان لهم شأن في العقائد الدينية التي هو أقوم النواحي التي يعيش عليها المجتمع الانساني منذ وجد الانسان، وقد ضرب المسلمون بسهم وافر في ترجمة حياة أعلام المسلمين. بحيث قل أن نجد في تاريخ أمة من الأمم هذه الثروة الطائلة التي تركها المسلمون في فن السير والتراجم والطبقات والمناقب إلى غير ذلك. وربما كان الامام مالك بن أنس رضي الله عنه من أكبر الشخصيات التي تحدث عنها الكتاب منذ عرف فقه مالك، ومنذ روى كتابه (الموطأ). وربما كان كتابه (الموطأ) من أكثر الكتب التي عنى بها الناس رواية وشرحا وتعليقا.
ومع ذلك كله فلا تزال الكتابة عن مالك وعن كتابه قاصرة. فنحن في حاجة إلى بحث علمي دقيق يتحدث عن مالك من نواحيه المختلفة: عن أسرته ومكانتها في الجاهلية والإسلام، عن حياة مالك من حيث علاقته بالمجتمع الذي كان يعيش فيه من الناحية السياسية والمذهبية والاقتصادية، عن شيوخ مالك وأثرهم في آرائه ثم عن تلاميذ مالك وانتشار مذهبه، وقد علمت من حسن الحظ أن أستاذنا أمين بك الخولي يبحث منذ سنين عديدة عن مالك ابن أنس، فنحن نرجو أن يتم هذا البحث قريبا لما نعلمه من دقة أستاذنا في أبحاثه وبراعته في تخليص الحقائق العلمية مع غزير علمه واتساع أفقه، مما يجعلنا ننتظر صدور هذا الكتاب بفارغ الصبر، مقدرين قيمته قبل صدوره، لأنه سيشغل الفراغ الذي أشرت إليه من قبل. ذلك أن القدماء الذين كتبوا عن مالك بن أنس، أو الذين أشادوا بمناقبه، شاء لهم تعصبهم له ولمذهبه إلى أن يذكروا أشياء لا نستطيع أن نتقبلها بسهولة. فهؤلاء الذين ذكروا، مثلا، أن أمه حملته ثلاث سنوات يخالفون بذلك ما هو معهود مألوف بين الناس في جميع البيئات وفى كل الأزمان. وهو يخالف ما ورد في القرآن الكريم ﴿ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾ (1) وكذلك ما قيل عن هيأته ولون بشرته. فكل هذه مسائل أراد القدماء أن يسبغوا على الامام مالك صفات خاصة، ويتخذوا منها مناقب له، مع أنها ليس ذات دلائل علمية تعرفنا بمالك وبكتابه الموطأ. وكنت أرجو أن أتحدث عن مالك في شئ من التفصيل ولكن المجال لا يسمح لي هنا.
وسأكتفي بذكر نتائج ما وصلت إليه في إيجاز شديد.
ولد مالك بن أنس سنة ثلاث وتسعين من الهجرة على أصح الأقوال، وينتهي نسبه من جهة أبيه إلى ملوك