المدعي، وإن شهد عنده بقيام البينة عليه مع إنكاره لم يحكم إلا أن يشهد عنده شاهد آخر بصفة الشهادة فيحكم بشهادتهما من غير يمين لقيام شهادة الاثنين مقامهما، فإن شهد عنده اثنان على شهادة واحد حكم بها مع يمين المدعي كشهادة الواحد المنفرد على ما سلف بيانه، ولا مزية للحاكم العدل هاهنا " على " غيره.
وإذا علم عقدا أو إيقاعا أو تملكا مخالفا للمشروع فيه أو قامت بذلك بينة أو حصل به إقرار حكم بفساد مقتضاه، وإذا ثبت عنده ردة بعض الناس حكم بها وإن شهد عنده ألف بالبراءة منها، وإذا ثبت عنده التسبب لم يسمع بينة ولا إقرارا بنفيه، ولا يحل لأحد أن يدعي على غيره ما لا يعلم استحقاقه وإن كانت هناك شبهة ظاهرة وظن قوي.
وإذا قال المدعي في مجلس الحكم: ادعى عليه أو اتهمه، أو حدث ما يقتضي استناد دعواه إلى التهمة دون العلم أسقط دعواه. ولا يقبل من الدعاوي إلا قوله: " أستحق " وما أفاد معنى ذلك. وليتق الله هذا المدعي من دعوى الكذب والمطالبة بالباطل، وليتق الله هذا المنكر من الكذب ودفع الحق.
وإذا تحاكم إليه بعض كفار الأصل كاليهود والنصارى أو كفار الملة كالمجبرة والمشبهة والوعيدية فليحكم بينهم بما يقتضيه المشروع دون ما يرونه أولئك في دينهم وهؤلاء في مذهبهم.
وليعلم أن الحكم بين الناس رتبة عظيمة ومنزلة جليلة ورئاسة نبوية وخلافة إمامية لم يبق في أعصارنا هذه وما قبلها بأعصار من رئاسات الدين غيرها، فبحسب قوة المأهول لها في الدين وصحة عزيمته في تنفيذ الأحكام وصادق نيته في القيام بما جعل إليه واضطلاعه به وبصيرته فيه تعلو كلمة الاسلام ويعز الدين، وبحسب ضعفه عن ذلك أو جهله به يضمحل الحق وتندرس أعلامه.
فليتق الله من عرض لذلك فلا يتقلده إلا بعد الثقة من نفسه بالقيام بما جعل إليه، وإذا علم من نفسه تكامل الشروط فعرض للحكم وجب عليه تكلفه لكونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، فإذا تقلده فليصمد للنظر في مصالح المسلمين وما عاد بنظام الملة وقوى الحق وليجتهد في إحياء السنن وإماتة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبطال