ولا يجوز الحكم إلا بما قدمناه من علم الحاكم أو ثبوت البينة على الوجه الذي قرره الشرع أو إقرار المدعى عليه أو يمينه أو يمين المدعي دون ما سوى ذلك مما لم يرد التعبد بالعمل به من قياس ورأي واجتهاد أو كتاب حاكم آخر إليه، وإن ثبت بالبينة كتابة أو قوله مشافهة له: ثبت عندي كذا، بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم، وإذا حكم بما ذكرناه تيقن براءة ذمته مما تعلق بها من الحكم بين الخصمين وليس كذلك إذا حكم بما خالفه.
وتسمع بينة الخارج وهو المدعي دون بينة الداخل وهو صاحب اليد لقوله ع: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وإن كان مع كل واحد منهما بينة ولا يد لأحدهما حكم لأعدلهما شهودا، فإن استويا في ذلك حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه، فإن استووا أقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف وحكم له. وإن كان لكل واحد منهما يد ولا بينة لأحدهما كان الشئ بينهما نصفين كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
وإذا ثبت أن الشاهد شهد بالزور عزر وأشهر وأبطل الحاكم حكمه بها إن كان حكم ورجع على المحكوم له بما أخذ إن أمكن وإلا على شاهد الزور، وإن كان ما شهد به قتلا أو جرحا أو حدا اقتص منه، وإذا رجع عن الشهادة بشبهة دخلت عليه لزمه دية القتل أو الجرح ومثل العين المستهلكة بشهادته أو قيمتها أو برضى المحدود بما يتفقان عليه بدليل الاجماع المشار إليه.
واعلم أنه ينبغي للحاكم أن يفرد الوقت الذي يجلس فيه للحكم له خاصة ولا يشوبه بأمر آخر سواه، وأن لا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بشئ من الأشياء، ويجلس مستدبر القبلة وعليه السكينة والوقار، وينزه مجلسه عن الدعابة والمجون، ويوطن نفسه على إقامة الحق والقوة في طاعة الله تعالى، وينبغي له أن يسوي بين الخصمين في المجلس واللحظ والإشارة ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يطيلا الصمت فحينئذ يقول لهما: إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه، فإن أمسكا أقامهما، وإن ادعى أحدهما على الآخر لم تسمع دعواه إلا أن تكون مستندة إلى علم مثل أن يقول: أستحق