فإذا أراد الجلوس للقضاء اختار مجلسا بارزا واسعا ليصل إليه من إليه حاجة، ووسط البلد أفضل من الطرف، وأمر أن يفرش له فرش يجلس عليه تمييزا له وهيبة، وتوضأ ولبس أحسن ثيابه وأنظفها، وفرع نفسه للقضاء عن كل ما يشغله أو يلفته عنه من الغضب والجوع والعطش والخوف والحزن وكل فكر يضر بشئ من ذلك، وبرز على حسن سمت ووقار، ودخل مجلس حكمه وصلى ركعتين إن كان في المسجد، وسلم على كل من سبقه إليه، وجلس مستدبر القبلة.
وينبغي أن يختار ثلاثة نفر ثقة يقوم على رأسه لترتيب الخصوم أولا فأولا، وكاتبا عدلا فقيها عالما عفيفا عن الطمع ويجلسه بين يديه ليكتب ما يحتاج إليه بنظره، وقساما عارفا ثقة يقسم بين الناس أموالهم، ويحضر الشهود ليستوفى بهم الحقوق ويثبت بهم الحجج والمحاضر والسجلات، ويحضر العلماء ليشاورهم فيما يحتاج إليه وينبهوه على وجه الصواب.
ثم يأخذ ديوان الحكم من الحاكم الذي كان قبله وينظر في حال المحبوسين مع خصومهم فإن حبسوا بحق تركهم وإن حبسوا بباطل رد إلى الحق، وينظر في الحقوق وحال الشهود الذين حكم بشهادتهم وفي أمر الأوصياء، ويقر الثقات ويقوى الضعيف ويعزل الفاسق ويرتب أمر الضوال ويتفرع لأمر العامة، فإن ظهر من أحد الخصمين لدد أو عنت أو سفه نهاه فإن عاد صاح به وأغلظ في النهي فإن عاد تجري المصلحة في التأديب والعفو.
وهو بالخيار في تتبع حكم الحاكم الأول إلا أن يستعدي المحكوم عليه، وإذا تتبع وكان قد حكم بالحق أمضاه، وإن حكم بالباطل نفاه، وإن اشتبه عليه لسان المدعي أو المدعى عليه أو البينة توقف إلى أن يتضح له، فإن شهد له شاهدان لم يخل حالهما من ثلاثة أوجه: إما عرف حالهما بالعدالة أو الفسق أو اشتبه عليه، فالأولى يحكم له من غير توقف، والثاني لا يحكم به أصلا والثالث يتوقف حتى يعرف حالهما.
فإن حكم على ظاهر الاسلام ثم بان له فسقهما نقض الحكم، ولم تخل البينة من وجهين: فإن كان لهما سداد وضبط وحزم وجودة تحصيل لم يحتج إلى التفريق والوعظ