أن يحكم بما يجوز له في دينه، فإذا حكم بينهما وكانت الكتابة صحيحة أقرهما عليها وأمضاها، وإن كانت فاسدة بأن يكونا عقداها على خمر أو خنزير أو شرط فاسد وكانا قد عقدا ذلك في حال كفرهما وتقابضا العوض وأسلما وترافعا إلى حاكم المسلمين فإنه يقرهما على ذلك لا بمعنى أنه يحكم بصحته لكن لا يتعرض له، ويجري مجرى المتزوجة على مهر فاسد وتقابضا العوض في حال كفرهما وأسلما.
فإن عقدا الكتابة على خمر أو خنزير في حال الشرك ثم أسلما وتقابضا العوض بعد الاسلام فالحاكم يبطل ذلك ويرده لأن قبض الخمر والخنزير لا يجوز في حال الاسلام ويلزم في ذلك قيمة ما وقع عليه العقد عند مستحليه، فإن كان عقد الكتابة في حال الكفر ثم أسلما وترافعا قبل التقابض أو بعد قبض البعض كان القول في ذلك ما قلناه في المسألة المتقدمة، وإذا كان للكافر عقد مكاتبة ثم أسلم لم يقع عليه لأن العقد رفع سلطانه عنه وقد حصل، فأما أن يسلم ثم كاتبه لم يصح ذلك.
وإذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم دخلا دار الاسلام بأمان أو مستأمنين ثم كاتبه فما داما لا يترافعان إلى الحاكم ويتحاكمان إليه فلا ينبغي أن يعرض لهما بل يقرهما على ما فعلاه، فإن ترافعا إليه حكم بينهما بحكم الاسلام ونظر في الكتابة، فإن كانت صحيحة في الشرع أعلمهما صحتها وأقرهما عليها وإن كانت فاسدة أعلمهما فسادها وأنه لا يجوز الإقرار عليها.
فإن قهر العبد سيده على نفسه في دار الحرب ودخل دار الاسلام بأمان والسيد معه فقد ملك السيد وانفسخت الكتابة فيه وملك سيده بقهره إياه ويقر على ذلك لأن دار الحرب دار قهر وغلبة من غلب وقهر فيها على شئ ملكه، فأما إذا دخلا دار الاسلام ثم قهر سيده على نفسه فإنه لا يقر على ذلك لأن دار الاسلام دار إنصاف وحق وليست دار قهر وغلبة.
وإذا كان للمسلم عبد فارتد العبد ثم كاتبه السيد جاز ذلك لأنه عقد معاوضة ويصح ذلك من المرتد، فإن أدى المال إلى سيده عتق وصار حرا مرتدا ويجب أن يستتاب