ولو كان موضع " من " على أو الباء لكان المعنى واحدا.
وقوله: أو ينفوا من الأرض، في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يخرج من بلاد الاسلام ينفى من بلد إلى بلد إلا أن يتوب ويرجع، وهو الذي نذهب إليه، وقال أصحابنا: لا يمكن أيضا دخول بلد الشرك ويقاتل المشركون على تمكينهم من ذلك حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الحق.
الثاني: أن ينفى من بلد إلى غيره.
الثالث: أن النفي هو الحبس، ذهب إليه أبو حنيفة.
وأصل النفي الإهلاك، ومنه النفي والإعدام، ومنه النفاية لردئ المتاع. وقال الفراء: النفي أن يقال: من قتله فدمه هدر.
ثم قال: ذلك لهم خزي في الدنيا. والخزي الفضيحة، أي أن ما ذكرناه من الأحكام لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب زيادة على ذلك، وهذا يبطل قول من قال: إقامة الحدود تكفير للمعاصي، لأنه تعالى مع إقامة الحدود عليهم بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما، أي أنهم يستحقون ذلك، ولا يدل على أنه تعالى يفعل بهم ذلك لا محالة لأنه يجوز أن يعفو عنهم.
فصل:
ثم قال تعالى: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، أي لكن التائبين من قبل القدرة عليهم فالله غفور رحيم.
ولما بين الله حكم المحارب على ما فصلناه استثني من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه لأن توبته بعد حصوله في قبضة الإمام وقيام البينة عليه بذلك لا تنفعه ووجب عليه إقامة الحد.
واختلفوا في من تدرأ عنه التوبة الحدود، هل هو المشرك أو من كان مسلما من أهل الصلاة:
قال الحسن: هو المشرك دون من كان مسلما، فأما من أسلم فإنه لم يؤاخذ بما جناه