وأخرى بأن حقيقة الإسلام متحققة في العبد المسلم، فإن حقايق دين الإسلام لها أنحاء من الوجود، فتارة توجد بوجود لفظي فلها آثار، وأخرى تتحقق بوجود كتبي وهو ما بين دفتي المصحف، فلها آثار من حرمة مسه إلا بالطهارة وحرمة بيعه مثلا، وثالثة بوجود عيني يقوم بالمسلم المتدين به المنعقد عليه قلبه، وهذا الوجود أقوى من وجوده الكتبي فكيف يكون وجوده الكتبي أولى بالحكم، مع أن الخبر المزبور غير واضح المراد حتى يتنقح مناطه، ويحكم بأن المناط موجود في المصحف بوجه أقوى فيكون بالحكم أولى، ولعل ما ذكرنا هو الوجه فيما أفاده (قدس سره) من التأمل أو المنع في وجه الحكم.
ثم اعلم أن تخصيص الكافر بالمنع - بناء على كراهة بيع المصحف بما هو من المسلم - واضح، فما هو مكروه في المسلم محرم في الكافر، وأما بناء على حرمة بيعه من المسلم كما هو المشهور فما هو حرام بالنسبة إلى الكافر حرام بالنسبة إلى المسلم أيضا، وما هو جائز للمسلم وهو بيع الورق مجردا عن اعتبار النقوش فهو في نفسه جائز للكافر أيضا، فإنه ليس بيعا للمصحف بما هو مصحف.
نعم إن قلنا بأن النقوش التي بها يكون المصحف مصحفا لا تملك أصلا فلا فارق بين المسلم والكافر كما عرفت، وإن قلنا بأنها تملك إما بالتبع لا بعنوان المقابلة بالثمن، أو تملك بعنوان الهبة والهدية، فإن الممنوع جعل غير القرآن عدلا له وعوضا عنه دون تملكه، فحينئذ يمتاز المسلم من (1) الكافر، فإن الكافر هو غير قابل لتملك القرآن وإن لم يكن بعنوان المعاوضة بخلاف المسلم.
والكلام في المباني موكول إلى محله، وإن كان الكل مخدوشا، إذ الالتزام بعدم كون النقوش مملوكة ولو بكون الورق المنقوش بتلك النقوش بما هي كذلك مملوكا مستبعد جدا، إذ لازمه عدم ضمان المتلف لتلك النقوش بامحائها ولو مع عدم اتلاف ذات الورق ولا يقول به أحد.
والالتزام بكون النقوش مملوكة بتبع ملك الورق، فإن أريد أن الورق المنقوش بما هو مملوك فهو عين بيع المصحف، إذ النقوش والهيئات لا تستقل بالملك، وإن أريد أن المملوك بالبيع هو الورق المجرد عن النقوش فما معنى ملك النقوش بالتبع، فإن التبعية