يحرز فإنه لا مانع من أعمال المرجحات، وحيث إنها لتعيين ما هو الأقرب إلى الواقع فالحكم المنبعث عنها منبعث عن المصلحة الواقعية، فيعلم منه أن المصلحة الموجودة في الحكم الذي قام عليه خبر الأعدل مثلا أقوى من المصلحة الثابتة في الحكم الذي قام خبر العادل عليه، إذ يستحيل تأثير الأضعف مع عدم تأثير الأقوى، فاستكشاف قوة مقام الثبوت بقوة مقام الاثبات بهذا الوجه، وإلا فقوة الكاشف أجنبية عن قوة المنكشف.
أقول: ما أفاده بعد توضيحه إنما يصح إذا كان الدليل لحكم المتعارضين على وجه الطريقية، وأما إذا كان على وجه الموضوعية فلا يصح استشكاف الأقوائية في مقام الثبوت، كما لا يصح الحكم بفعلية ما أحرز أقوائيته أولا، ثم إعمال المرجحات مع عدم الاحراز، وذلك لأن وجوب العمل بخبر الأعدل مثلا منبعث عن مصلحة في نفس اتباع خبر الأعدل، لا عن مصلحة ما قام عليه حتى يكون التعبد به كاشفا عن أقوائية مقتضي الحكم الواقعي، وعليه فاحراز أقوائية مقتضي الحكم الواقعي لا يجدي، إذ من الممكن كونه أقوى بذاته وأضعف بالعرض، فالمصلحة فيما قام عليه خبر العادل وإن كانت أقوى من حيث نفسها، إلا أن المصلحة فيما قام عليه خبر الأعدل أقوى بالفعل، لتعنون موضوعها بعنوان ذي مصلحة أقوى، فلا بد من أعمال المرجحات ابتداء واتباع الأرجح بالفعل.
وأما حديث أقوائية مقتضي نفي السبيل عن مقتضي الخيار، فلعله بملاحظة أن المقتضي للخيار هو الضرر المالي وهو لا يقاوم مفسدة سلطنة الكافر على المسلم.
ويمكن أن يقال: إن تملك الكافر للمسلم فيه خلاف احترام شخص المسلم، ونفي الضرر في الإسلام باقتضاء شرافة شريعة الإسلام، واقتضاء شرافة المسلم لعدم تملك الكافر له لا تقاوم اقتضاء شرافة شريعة الإسلام لعدم حكم ضرري فيها.
ثم إن هذا كله أجنبي عن مورد الكلام، إذ ليس هنا خبران متعارضان في الحكم الفعلي، حتى يتكلم في دخولهما تحت الأخبار العلاجية، ويستكشف قوة مقام الثبوت عن مقام الاثبات، بل المتعارضان هنا آية نفي السبيل وقاعدة نفي الضرر المستفادة من قوله (عليه السلام) (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (1) ولا مجال للترجيح السندي، كما لا ترجيح