وتوهم: أنه لا معنى للتنزيل في التبليغ، فإن جوازه لمن علم بالحكم أو بما سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) عقلي.
مدفوع: بأن الغرض ايجاب تصديقه في تبليغه لا ايجاب تبليغه، وهو أمر تعبدي، فمعناه أنه خليفتي في تبليغ الأحكام فيجب تصديقه، وأما كونه أمينا على الرعية فما وردت به الروايات هو كونه أمينا على الحلال والحرام (1)، لا أنه أمين على الرعية، مع أن مقتضى كونه أمينا عليهم من قبل الشارع رعاية ما فيه صلاحهم، وهو غير الولاية على التصرف في أنفسهم وأموالهم على خلاف مقتضى أدلة الأحكام.
نعم هذا مجد للولاية بالمعنى الثاني وهي السلطنة على جميع الأمور المهمة المتعلقة بحفظ نظام معاشهم ومعادهم مما هو شأن رئيس كل قوم، فإنه مقتضى كونه مسؤولا عن رعيته.
وأما ما دل على أن العلماء بمنزلة أنبياء بني إسرائيل (2)، فإما أن يراد أنهم بمنزلتهم في لزوم الاقتباس من علومهم، أو أنهم في الفضيلة على غيرهم كالأنبياء بالنسبة إلى رعاياهم، والأفضلية لا تستدعي الولاية، وإن قيل بأن الولاية تستدعي الأفضلية، وهو أيضا غير مسلم، إذ للأب الولاية على ولده الغير البالغ وإن كان الولد أفضل منه لعلمه وفقاهته فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني... الخ) (3).
الكلام تارة في قيام الدليل على نيابة الفقيه عن الإمام (عليه السلام) في دخالة نظره وإذنه في كل ما يكون نظره (عليه السلام) وإذنه (عليه السلام) دخيلا فيه، وأخرى في مقتضى الأصل في ذلك إذا لم تثبت النيابة بالدليل، وثالثة في ما يقتضيه الأصل في ما شك في أنه منوط بنظر الإمام (عليه السلام)، حتى يكون منوطا بنظر الفقيه بعد ثبوت النيابة، فإن أدلة النيابة لا تشخص المصداق.
وينبغي قبل التكلم في المقامات المزبورة تقديم مقدمة وهي:
إن الولاية بالمعنى الأول بنفسها مجوزة للتصرف، ويكون نظر الإمام (عليه السلام) سببا