التصرف.
وأما المقام الثاني: وهو وجوب إطاعتهم (عليهم السلام) في أوامرهم الشرعية فكاد أن يكون من البديهيات، إذ بعد فرض النبوة والإمامة والقطع بصدقهم (عليهم السلام) لعصمتهم من الكذب والخطأ لا يبقى مجال لعدم لزوم الإطاعة، فإنها حقيقة إطاعة للأمر المحقق من قبله تعالى ولزومها عقلي، لا من حيث إنهم أولياء النعم، بل من حيث النبوة والإمامة الملزومة لصدقهم وصوابهم (عليهم السلام) حقيقة، فلا موجب لإطالة الكلام فيه.
وأما المقام الثالث: فهو مشكل، من حيث إن إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) - بما هما نبي وإمام - إطاعتهما فيما يبلغان عنه تعالى، فإذا فرض صدور أمر مولوي منهم (عليهم السلام) لغرض راجع إليهم، لا لمصلحة راجعة إلى المكلف حتى يستكشف الأمر التشريعي فيدخل في المقام السابق، فلا بد من إقامة الدليل على لزوم إطاعتهم (عليهم السلام) بلا لحاظ حيثية النبوة والإمامة حيثية تقييدية فيه.
ويمكن أن يقال: إن إطاعتهم (عليهم السلام) في أوامرهم الشرعية إطاعة بالذات للآمر، وإطاعة بالعرض لمن جرى على لسانه أمره تعالى، والإطاعة التي تكون إطاعة لهم بالذات وتكون إطاعة له تعالى بالعرض - من حيث إنهم منسوبون إليه المدلول عليها بقوله (عليه السلام) (من أطاعكم فقد أطاع الله) (1) - هي إطاعتهم في أوامرهم الشخصية، فالنبوة والإمامة حيثية تعليلية لوجوب إطاعة أوامرهم الشخصية، وما ورد في باب إطاعتهم (عليهم السلام) أولى بالشمول لمثل هذه الإطاعة من إطاعة أوامرهم الشرعية، فإنها إطاعة الأمر الإلهي بالحقيقة، ولزومها بديهي لا يحتاج إلى المبالغة في الالزام بها كما لا يخفى.
وأما اقتضاء وجوب شكر المنعم لمثل هذه الإطاعة فتقريبه: أنه بناء على أن صرف النعمة في سبيل المنعم شكر له، وتركه كفران، والأول حسن عقلا والثاني قبيح عقلا.
نقول: إن وجود المكلف وجميع ما أنعم عليه من الكمالات والمال والأولاد منه تعالى ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) باعتبارين، فهو المنعم الحقيقي، ورسوله (صلى الله عليه وآله) هو المنعم بنحو الوساطة، فصرف كل ذلك في سبيل إطاعتهم شكر وتركه كفر، ولا فرق في هذه القضية بين منعم ومنعم، فكما أن مخالفة منعم آخر كفران لإحسانه وإساءة إليه فيقبح عقلا، مع أن مورد