فإن قلت: هذا إذا دخل في ملكه ثم خرج عن ملكه بدون رضاه، وأما إذا قلنا بدخوله في ملك المشتري الأول بمجرد اشتراء البايع فلا.
بتقريب: أن انشاء البيع الأول مقتضي لدخول المال في ملك المشتري وكونه ملكا للغير مانع عن تأثيره، فمجرد خروجه عن ملك الغير وانقطاع إضافته عنه يؤثر المقتضي الموجود من السابق أثره، ويمنع عن دخوله في ملك المشتري الثاني، كما في بيع من ينعتق عليه، وشراء العبد تحت الشدة بالزكاة، فإنه لا أثر للبيع إلا زوال ملك مالكه عنه، وحيث إنه لا يقبل الدخول في ملك المشتري - إما شرعا أو عقلا - فينعتق، وليس الانعتاق إلا زوال الملك عنه من دون حاجة إلى تقدير الملك آنا ما حتى يقال إنه لا دليل عليه هنا.
وعليه فلم يكن في زمان هذا المبيع ملك البايع حتى يكون خروجه عن ملكه بدون رضاه منافيا لسلطانه عليه.
قلت: نقل المال لا بد من أن يكون إما بمباشرة المالك للعين أو للتصرف، وإما بإذن أحدهما أو بإجازته، ومن الواضح أن البايع حال البيع الأول لا ملك له، ولا إذن ولا إجازة من مالكه ولا ملك للتصرف له أيضا، كما لا إذن ولا إجازة ممن يملك التصرف، والمفروض أنه لا ملك له في ما بعد أيضا، كما لا إجازة منه حسب الفرض.
مع أنه لا موقع لها بهذا التقريب، فلا معنى لأن يكون البيع الأول مؤثرا في شئ وإن قلنا بأن البيع لا يقتضي التملك، أو لا يقتضي التمليك فتدبره جيدا.
ومنها: قوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم... الخ) (1) بتقريب:
أن المراد من الحل الأعم من الحل التكليفي والوضعي، ففي التصرفات المعاملية لا ينفذ التصرف من دون رضاه، فلو انتقل ماله عن ملكه من دون رضاه في حال تملكه لنفذ التصرف من دون رضاه.
ومنها: فحوى رواية الحسن بن زياد الطائي (2) المتقدمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه المتعقب بانعتاقه وحريته، لظهورها في عدم نفوذه إلا بالسكوت الذي هو بمنزلة الإجازة، لا بحريته وانعتاقه.