ومنه يعلم أن اللفظ الصريح مثل " رضيت " لا مثل " أجزت " و " أنفذت " و " أمضيت " فإنها تدل على ما هو المعتبر في تأثير العقد بالالتزام لا بالمطابقة.
ومنه يعلم أيضا أنه ليس هنا أمر يجب إنشائه لفظا، إذ من الواضح والمسلم عندهم كفاية مثل " أجزت " و " أنفذت "، مع ما عرفت من أن مفهومها الانشائي غير معتبر من حيث نفسه، بل لا يعقل أن يكون معتبرا بذاته، وإنما اللازم اظهار الرضا الذي هو شرط التأثير، إما بالمطابقة أو بالالتزام.
ومن الواضح أن اظهار الرضا بمثل " أجزت وأنفذت " بالدلالة الالتزامية غير اظهاره بانشاء الرضا في عرض انشاء مفهوم " أجزت أو أنفذت " ولا في طوله، لاستحالة انشاء مفهومين بلفظ واحد عرضا أو طولا، وليست الدلالة الالتزامية إلا الانتقال من اللفظ إلى معنى، ومنه إلى لازمه لا من اللفظ إليهما طولا ولا عرضا، بحيث يكون اللفظ مستعملا فيهما، فإن الانشاء أحد نحوي الاستعمال المعبر عنه بقصد ثبوت المعنى باللفظ، فاللفظ موجود بالذات والمعنى موجود بالعرض، فالدلالة أعم من الاستعمال.
ثم إنه على تقدير لزوم الانشاء، هل يكفي الانشاء بالفعل أو لا بد فيه من القول؟
وصريح المصنف (قدس سره) - في مبحث أحكام الخيار (1) في مسألة الفسخ بالتصرف - أن الفعل لا إنشاء فيه، ولذا جعل الانفساخ بإرادة التصرف، ولعل الوجه فيه أن الانشاء أحد نحوي الاستعمال، ولا استعمال إلا للفظ في المعنى، فالاستعمال أخص من الدلالة، وعليه فالمعاطاة أيضا لا سببية لها ولا ينشئ بها، بل كاشفة عن البناء على التمليك والتملك.
والتحقيق: أن الاستعمال - وإن كان عرفا مختصا بباب الألفاظ - إلا أن حقيقته - سواء كانت بمعنى جعل اللفظ علامة على المعنى، أو إيجاد المعنى باللفظ - لا اختصاص لها بالألفاظ، بل يعقل جعل الفعل علامة على المعنى أو إيجاد المعنى به، فكما أن اللفظ موجود بالذات والمعنى موجود به بالعرض، كذلك الاعطاء الخارجي موجود بالذات، والتسليط الاعتباري موجود به بالعرض.
ومن المتعارف في مقام البعث الاعتباري نحو القيام والقعود مثلا البعث بالإشارة بما يناسب القيام أو القعود، وكذلك في معاملات الأخرس، والفرض معقولية الانشاء بالفعل