ولكن هناك طائفة ثالثة ترى أن من الممكن التعرف على صفاته سبحانه من طريق التدبر وترتيب الأقيسة المنطقية وتنظيم الحجج العقلية على ضوء ما أفاض الله سبحانه على عباده من نعمة العقل والفكر، بشرط أن يكون الباحث محايدا، منحازا عن أي رأي مسبق، وأن يكون في بحثه ونقاشه مخلصا للحق غير مبتغ إلا إياه.
وحجتهم في ذلك أن الله سبحانه ما نص على أسمائه وصفاته في كتابه وسنة نبيه إلا لكي يتدبر فيها الإنسان بعقله وفكره في حدود الممكن والمستطاع مجتنبا إفراط المشبهة وتفريط المعطلة. فهذا أمر يدعو إليه العقل والكتاب العزيز والسنة الصحيحة.
وهناك كلمة قيمة للإمام علي (عليه السلام) تدعو إلى ذلك الطريق الوسط، قال (عليه السلام): " لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته " (1). والعبارة تهدف إلى أن العقول وإن كانت غير مأذونة في تحديد الصفات الإلهية لكنها غير محجوبة عن التعرف حسب ما يمكن، كيف وقد قال سبحانه: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (2). والعبادة الصحيحة والكاملة لا تتيسر إلا بعد أن تتحقق المعرفة المستطاعة بالمعبود.
ويكفي في تعين هذا الطريق ما ورد في أوائل سورة الحديد من الآيات الست ونذكرها تبركا وهي قوله سبحانه: * (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم * له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير * هو الأول والآخر والظهر والباطن وهو بكل شئ