نقول توضيحا لذلك، إن الأعمال الصادرة من الإنسان على قسمين:
قسم يصدر منه بلا شعور ولا إرادة كأعمال الجهاز الدموي والجهاز المعوي وجهاز القلب، والأحشاء، التي تتسم في أفعال الإنسان بسمة الأعمال الاضطرارية، غير الاختيارية.
وقسم آخر يصدر منه عن إرادة واختيار. ويتسم بسمة الأعمال الاختيارية غير الاضطرارية كدارسته وكتابته وتجارته وزراعته.
وعلى ما سبق من أن علم الله تعالى تعبير عن الواقع بما لا يتخلف عنه قيد شعرة، فتقع أعماله موردا لتعلق علم الله بها على ما هي عليه من الخصائص والألوان. فتكون النتيجة أنه سبحانه يعلم من الأزل بصدور فعل معين في لحظة معينة من إنسان معين إما بالاضطرار والإكراه أو بالاختيار والحرية، وتعلق مثل هذا العلم لا ينتج الجبر، بلا يلازم الاختيار. ولو صدر كل قسم على خلاف ما اتسم به لكان ذلك تخلفا عن الواقع.
وبعبارة أخرى: إن علم الله بما أنه يطابق الواقع الخارجي ولا يتخلف عنه أبدا، فيجب أن يقوم الإنسان بكل قسم من أعماله على حسب السمة التي اتسم بها. فلو كان مصدرا لعمل الجهاز الدموي عن اختيار وقد تعلق علمه بصدوره عنه على وجه الاضطرار، لزم تخلف علمه من معلومه. كما أنه لو كان مصدرا للقسم الآخر من أفعاله ككتابته وخياطته على وجه الالجاء والاضطرار، لزم تخلف علمه عن الواقع لتعلق علمه بصدوره عنه بسمة الاختيار وسيوافيك نصوص من أئمة الحكماء كصدر المتألهين وغيره عند البحث عن الجبر الأشعري.
فعلينا في هذا الموقف الالتفات إلى كيفية تعلق علمه بصدور الأفعال عن مبادئها وعللها. نعم، من أنكر وجود الأسباب والمسببات في الوجود، واعترف بعلة واحدة وسبب مفرد وهو الله سبحانه وجعله قائما مقام جميع العلل والأسباب، وصار هو مصدرا لكل الظواهر والحوادث مباشرة ولم يقم للعلل الطبيعية وللإنسان وما فيه من المبادئ وزنا وقيمة، ولم يعترف بتأثيرها