ونحو ذلك لو تدبروا في قوله سبحانه: * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل مبسوطتان ينفق كيف يشاء) * (1)، لأذعنوا بأن المراد من إثبات بسط اليد لله سبحانه ليس هو البسط الحسي، بل المراد بيان سعة جوده وبذله. كما يذعنون به عند الوقوف على قول سبحانه: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) * (2).
فعندئذ نتسأل: أي فرق بين الآيتين بحيث أن المثبتين للصفات يحملون الآية الأولى على المعنى المتبادر من اليد عند الإفراد، ثم لأجل الفرار من التجسيم يعقبونه بقولهم " بلا كيف ". وفي الوقت نفسه لا يشك هؤلاء أنفسهم في أن المراد من الآية الثانية هو البذل والجود أن التقتير والبخل؟!
إلى هنا ظهر أن ما تمسكت به الحنابلة والأشاعرة في مجال إثبات الصفات الخبرية لله سبحانه، يبتني على التمسك بالظهورات الحرفية والمعاني الإفرادية، غافلين عن أن المتبع في المحاورات هو الظهور التصديقي برعاية القرائن المتصلة بالكلام والمفهومة عند العرب سواء أوافقت المعاني الإفرادية أم لا. ولو مشوا على تلك الضابطة لوقفوا على تنزيهه سبحانه عن إثبات هذه الأعضاء والمعاني له. وقد اكتفينا في هذا المقام بتبيين الألفاظ الثلاثة: العرش واستواؤه عليه، الوجه، اليد. وعلى ضوء ما بيناه من الضابطة تقدر على تبيين سائر الألفاظ الواردة في الذكر الحكيم والسنة الصحيحة.