أولها فقد عرفت أن تفسير الإرادة باعتقاد النفع ملازم لإنكار الإرادة مطلقا في الموجودات الإمكانية فضلا عن الله سبحانه وذلك لأن مرجعها إلى العلم بالنفع، مع أنا نجد في أنفسنا شيئا وراء العلم والاعتقاد بالنفع، والقائل بهذه النظرية يثبت العلم وينكر الإرادة. فإذا بطل تفسير الإرادة بالاعتقاد بالنفع في الموجودات الإمكانية يبطل تفسير إرادته سبحانه به أيضا.
وسيوافيك أن من يفسر إرادة الله سبحانه بالعلم بالأصلح متأثر من هذا التفسير غير أنه بدل العلم بالنفع الظاهر في النفع الشخصي إلى العلم بالأصلح اللائق بحاله سبحانه الهادف إلى مصالح العباد فانتظر.
وأما التفسير الثاني أعني الشوق أو خصوص الشوق المؤكد، فلو صح في الإنسان فلا يصح في الله سبحانه، لأن الشوق من مقولة الانفعال تعالى عنه سبحانه. فإن الشوق إلى الشئ شأن الفاعل الناقص الذي يريد الخروج من النقص إلى الكمال فيشتاق إلى الشئ شوقا أكيدا.
وأما التفسير الثالث فسواء أفسرت بالقصد والعزم، أو الاجماع والتصميم، فحقيقتها الحدوث بعد العدم، والوجود بعد اللا وجود وهي بهذا المعنى يستحيل أن تقع وصفا لذاته لاستلزامه كون ذاته معرضا للحوادث (1).
ولأجل عدم مناسبة هذه التعاريف لذاته سبحانه، صار المتألهون على طائفتين: طائفة تحاول جعلها من صفات الذات لكن بمعنى آخر، وطائفة تجعلها من صفات الفعل فتذهب إلى أن الإرادة كالخلق والرزق تنتزع من فعله سبحانه وإعمال قدرته وهذه الطائفة أراحت نفسها من الإشكالات الواردة على كونها من الصفات الذاتية. وإليك الكلام حول نظريات هاتين الطائفتين.