إلى مساوي الأخلاق والرذائل، وهي المظنة للوصول إلى المقصد، وأعظم الوسائل لتحصيل سعادة الأبد، إذ من قنع بقدر الضرورة من المطعم والملبس، ويقتصر على أقله قدرا أو أخسه نوعا، ويرد أمله إلى يومه أو إلى شهره، ولا يشغل قلبه بالزائد عن ذلك، كان فارغ البال مجتمع الهم فيتمكن من الاشتغال بأمر الدين وسلوك طريق الآخرة، ومن فاتته القناعة وتدنس بالحرص والطمع وطول الأمل، وخاض في غمرات الدنيا، تفرق قلبه وتشتت أمره. فكيف يمكنه التشمر لتحصيل أمر الدين والوصول إلى درجات المتقين؟ ولذلك ورد في مدح القناعة ما ورد من الأخبار، قال رسول الله (ص): " طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع به وقال: " ما من أحد، من غني ولا فقير، إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي قوتا في الدنيا ". وقال (ع) -: " أيها الناس، أجملوا في الطلب، فإنه ليس للعبد إلا ما كتب له في الدنيا، وأن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا وهي راغمة ". وقال (ص) " نفث روح القدس في روعى: إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها. فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ". وقال (ص): " كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قانعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا " وفي الخبر القدسي " يا ابن آدم، لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت، فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك، فأنا إليك محسن ".
وروي: " إن موسى سأل ربه تعالى، وقال: أي عبادك أغنى؟ قال:
أقنعهم لما أعطيته ". وقال أمير المؤمنين (ع): " ابن آدم "، إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك، فإن أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت إنما تريد ما لا يكفيك، فإن كل ما فيها لا يكفيك " وقال أبو جعفر الباقر (ع):
" إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله:
" فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم " (62). وقال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا " (63).