ليدخله، وما أهون منعها بصرف عنانها، ومثل من يعالجه بعد استحكامه مثل من يترك الدابة حتى تدخل وتتجاوز الباب ثم يأخذ بذنبها ويجرها إلى ورائها، وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر. فليكن الاحتراز والاحتياط في بدايات الأمور، إذ في أواخرها لا تقبل العلاج إلا بجهد شديد يكاد يوازي نزع الروح.
وربما انتهى إفراط هذه الشهوة بطائفة إلى أن يتناولوا ما يقويها ليستكثروا من الجماع، ومثلهم كمثل من بلي بسباع ضارية تغفل عنه في بعض الأوقات فيحتال لإثارتها وتهييجها في هذا الوقت ثم يشتغل بعلاجها وإصلاحها. والتجربة شاهدة بأن من ينقاد لهذه الشهوة ويسعى في تكثير ما يهيجها من النسوان وتجديدهن والتخيل والنظر وتناول الأغذية والأدوية المحركة لها يكون ضعيف البدن سقيم الجسم قصير العمر، وقد ينجر إفراطها إلى سقوط القوة اختلال القوى الدماغية وفساد العقل - كما يرهن عليه في الكتب الطيبة -. والوقاع أضر الأشياء بالدماغ، إذ جل المواد المنوية يجلب منه، ولذا شبه الغزالي هذه الشهوة بالعامل الظالم الذي لو أطلقه السلطان ولم يمنعه من ظلمه أخذ أموال الرعية على التدريج بأسرها.
وابتلاهم بالفقر والفاقة، فأهلكهم الجوع وعدم تمكنهم من تحصيل القوت، وكذا هذه القوة لو لم يقهرها سلطان العقل ولم يقمها على طريق الاعتدال صرفت جميع المواد الصالحة والأخلاط المحمودة التي اكتسبتها القوى الغاذية لبدل ما يتخلل من الأعضاء في مصارف نفسها وجعلها بأسرها منيا، وتبقى جميع الأعضاء بلا قوت، فتضعف ويدركها الفناء بسرعة. ولو كانت مطيعة للعقل، بحيث تقدم على ما يأمرها به وتنزجر عما ينهاها عنه، كانت كالعامل الذي يأخذ الخراج على طريق العدل والمروة، ويصرفه في مصارف المملكة من سد الثغور وإصلاح القناطر وخروج العساكر، وتبقى سائر أموال الرعية لأنفسهم، فيبقى لهم القوت وسائر ما يحتاجون إليه.
ولعظم آفة هذه الشهوة اقتضائها هلاك الدين والدنيا إن لم تضبط ولم ترد إلى حد الاعتدال، ورد في ذمها ما ورد من الأخبار، وقال رسول الله (ص) في بعض دعواته: " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري