فصبر على الفقر وهو يقدر على الغناء، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، لا يريد بذلك إلا وجه الله، أعطاه الله ثواب خمسين صديقا ". وقال (ص): بعد ما سئل عن معنى شرح الصدر للإسلام -: " إن النور إذا دخل القلب انشرح له وانفسح "، قيل: يا رسول الله، وهل لذلك من علامة؟ قال: " نعم! التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قيل نزوله ". وقال (ص):
" استحيوا من الله حق الحياء "، قالوا: إنا لنستحيي منه تعالى، قال:
" فليس كذلك، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون ". وروي " أنه قدم عليه بعض الوفود، وقالوا: إنا مؤمنون. قال: وما علامة إيمانكم؟
فذكروا الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضى بمواقع القضاء، وترك الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء. فقال (ص): إن كنتم كذلك.
فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا فيما عنه ترحلون ". فجعل الزهد من مكملات إيمانهم. وقال (ص): " من جاء بلا إله إلا الله،، لا يخلط معها غيرها، وجبت له الجنة "، وفسر (غيرها) بحب الدنيا وطلبها. وقال (ص): " من زهد في الدنيا، أدخل الله الحكمة قلبه، فأنطق بها لسانه، وعرفه دار الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام ". وروي: " أن بعض زوجاته بكت مما رأت به من الجوع، وقالت له: يا رسول الله، ألا تستطعم الله فيطعمك؟ فقال والذي نفسي بيده! لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهبا لأجراها حيث شئت من الأرض، ولكني اخترت جوع الدنيا على شعبها، وفقر الدنيا على غنائها، وحزن الدنيا على فرحها. إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد. إن الله لم يرض لأولي العزم من الرسل إلا الصبر على مكروه الدنيا والصبر على محبوبها، ثم لم يرض لي إلا أن يتكلفني مثل ما كلفهم فقال:
" فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " (33).
والله ما لي بد من طاعته! وإني والله لأصبرن كما صبروا بجهدي ولا