رجل آخر: " ويحك! قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح " وقال (ص): " إذا مدحت أخاك في وجهه، فكأنما أمررت على حلقه الموسى ".
وقال أيضا لمن مدح رجلا: " عقرت الرجل عقرك الله! ". وقال (ص):
" لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف، كان خيرا له من أن يثني عليه في وجهه ".
والسر في هذه الأخبار: أن المدح يوجب الفتور عن العمل، أو الكبر أو العجب، وهو مهلك، كقطع العنق والعقر وإمرار الموسى أو السكين على الحلق، فإن سلم المدح عن الآفات المذكورة المتعلقة بالمادح والممدوح كان ممدوحا، وإلا كان مذموما. وبذلك يحصل الجمع بين ما ورد في مدحه - كما تقدم - وما ورد في ذمه.
فاللازم على المادح أن يحترز عما تقدم من الآفات المتعلقة به، وعلى الممدوح أن يحترز من آفة الكبر والعجب والفتور والرياء، بأن يعرف نفسه ويتذكر خطر الخاتمة، ولا يغفل عن دقائق الرياء، ويظهر كراهة المدح، وإليه الإشارة بقوله (ص): " أحثوا التراب في وجوه المداحين ".
وبالجملة: اللازم على الممدوح ألا يتفاوت حاله بالمدح، وهذا فرع معرفة نفسه، وتذكر ما لا يعرفه المادح من عثراته. وينبغي أن يظهر أنه ليس كما عرفوه، قال بعض الصالحين لما أثنى عليه: " اللهم إن هؤلاء لا يعرفون وأنت تعرفني ". وقال أمير المؤمنين (ع) لما أثنى عليه: " اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون ".
ثم الظاهر عدم المؤاخذة والإثم بالانبساط والارتياح بالمدح، لكون النفوس مجبولة على الفرح والسرور بنسبة الكمال إليها، ولكن بشرط أن يكره من نفسه ذلك الارتياح، ويقهر نفسه ويعاتبها على ذلك، ويجتهد في إزالة ذلك عنها، إذ مقتضى العقل الفرح بوجود الكمال فيه لا بنسبته إليه، فما ينسب إليه منه إن كان موجودا فيه، فينبغي أن يكون فرحه به لا بنسبته إليه، إذ الانبساط بتصريح رجل بأنك صاحب هذا الكمال حمق وسفه.
وإن لم يكن موجودا فيه، فاللازم أن يحزن ويغضب، لكونه استهزاء لا مدحا. والحاصل: أن العاقل ينبغي ألا يسر بمدح الغير ولا يحزن بذمه،