وإن كان صوابا " (18) فهو مخصوص بما إذا لم يكن صاحبه عالما بقبحه، أو كان ساترا على نفسه كارها لظهوره. ويدل على ذلك ما روي عنه عليه السلام أيضا، أنه سئل عن الغيبة، فقال: " هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد ". وقال عليه السلام: " الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر فيه، مثل الحدة والعجلة، فلا ". وقال الكاظم عليه السلام: " من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس، لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته " (19). ويأتي أن المجاهر بمعصيته غير سائر لها، لا غيبة له فيها.
والحاصل: إن الإجماع والأخبار متطابقان على أن حقيقة الغيبة هو أن يذكر الغير بما يكرهه إذا سمعه، سواء كان ذلك بنقص في نفسه أو بدنه، أو في دينه أو دنياه، أو فيما يتعلق به من الأشياء، وربما قيل أنه لا غيبة فيما يتعلق بالدين، لأنه ذم من ذمه الله ورسوله، فذكره بالمعاصي وذمه جائز. وأيد ذلك بما روي: " أنه ذكر عند رسول الله امرأة وكثرة صومها وصلاتها ولكنها تؤذي جيرانها. فقال: هي في النار ". وذكرت امرأة أخرى بأنها بخيلة، فقال: " فما خيرها إذن؟ ". ولا ريب في بطلان هذا القول، لما عرفت من عموم الأدلة. وما ورد من ذم الأشخاص المعينة في كلام الله وكلام حججه إنما هو لتعريف الأحكام وتبيينها، وسؤال الأصحاب عنهم وذكرهم بالمعاصي، إنما كان لحاجتهم إلى معرفة الأحكام لا للذم وإظهار العيب، ولذا لم يكن ذلك إلا في مجلس الرسول (ص) أو الأئمة (ع).