يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وربما ذكر بعض المغتابين عيب مسلم ولم يتنبه له بعض الحاضرين، فيقول إسماعا له وإعلاما لما يقوله: " سبحان الله! ما أعجب هذا! " حتى يتوجه إليه ويعلم ما يريد، فيستعمل اسم الله آلة لتحقيق خبثه.
ثم المستمع للغيبة أحد المغتابين، كما ورد به الخير (20). وقد دل على ذلك أيضا ما تقدم من حديث الشيخين، وما روي: أنه (ص) لما رجم ماعزا في الزنا، قال رجل لآخر: هذا أقعص كما يقعص الكلب. فمر النبي (ص) معهما بجيفة، فقال: إنهشا من هذه الجيفة. فقالا: يا رسول الله، ننهش جيفة! فقال: ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه ". فجمع بينهما، مع إن أحدهما كان قائلا والآخر مستمعا.
وهو إما لا يسر باستماعها، إلا أنه لا ينكرها باللسان ولا يكرهها بالقلب، أو يسر ويفرح باستماعها، إلا أن النفاق والتزهد حملاه على عدم التصديق، وربما منع منها رياء وتزهدا، مع كونه مشتهيا لها بقلبه وربما توصل بالحيل المرغبة للمغتاب في زيادة الغيبة، مع التباس الأمر عليه بأنه يشتهيها، مثل أن يظهر التعجب ويقول: عجبت منه ما علمت أنه كذلك، وما عرفته إلى الآن إلا بالخير، وكنت أحسب فيه غير هذا عافانا الله من بلائه. فإن ذلك تصديق للمغتاب، وباعث لزيادة نشاطه في الغيبة، فكأنه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق.
والحاصل: إن المستمع لا يخرج عن إثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه أو يقطع الكلام بكلام آخر. أو يقوم من المجلس، وإن لم يقدر على شئ من ذلك، فلينكر بقلبه، وإن قال بلسانه: اسكت، وهو يشتهيه بقلبه فذلك نفاق، ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه. ومع عدم الخوف لا يكفي أن يشير باليد أو حاجبه أو جبينه، أي اسكت، إذ ذلك استحقار للمذكور، مع إنه ينبغي أن يعظمه فيذب عنه صريحا. قال النبي (ص):