الحقة - وكان الغرض منه الإرشاد والهداية، ولم يكن الخصم لدودا عنودا، فهو الجدال بالأحسن، وليس مذموما، بل ممدوح معدود من الثبات في الإيمان الذي هو من نتائج قوة المعرفة وكبر النفس، قال الله سبحانه:
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " (10).
وإن لم يكن بالحق، فهو مذموم اقتضته العصبية أو حب الغلبة واو الطمع المالي، فيكون من رذائل القوة الغضبية أو الشهوية، وربما أورث شكوكا وشبهات تضعف العقيدة الحقة، ولذا نهى الله سبحانه عنه وذم عليه، فقال:
" ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " (11).
وقال: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " (12).
والخصومة أيضا إن كانت بحق، أي كانت مما يتوقف عليه استيفاء مال أو حق ثابت، فهي ممدوحة معدودة من فضائل القوة الشهوية، وإن كانت بباطل، أي تعلقت بما يدعيه كذبا أو بلا علم ويقين، فهي مذمومة معدودة من رذائلها. فالخصومة المذمومة تتناول المخاصمة فيما يعلم قطعا عدم استحقاقه، وفيما لا علم له بالاستحقاق، كخصومة وكيل القاضي، فإنه قبل أن يعرف أن الحق في أي جانب، يتوكل في الخصومة من أي جانب كان، ويخاصم من غير علم وإيقان، فمثله خباط العثرات وركاب الشبهات، يضر بالمسلمين بلا غرض، ويتحمل أوزار الغير بلا عوض، فهو أخسر الناس أعمالا وأعظمهم في الآخرة أوزارا ونكالا. وتتناول أيضا مخاصمة من يطلب حقه ولكنه لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد والعناد في الخصومة قصدا للتسلط والإيذاء، ومن يمزج بخصومته كلمة مؤذية لا يحتاج إليها في إظهار الحق وبيان الحجة، ومن يحمله على الخصومة محض العناد بقهر الخصم وكسره مع استحقاره لذلك القدر من المال، وربما صرح بأن قصدي العناد والغلبة عليه وكسر عرضه، وإذا أخذت منه هذا المال رميته، ولا