وليعلم أيضا أن المتوكل على الله والمتصف بالحرية، لا يبدل التوكل والحرية بهذه الأفعال لأجل الوصول إلى بعض خبائث الأموال، فليعاتب نفسه ويزجرها بالمواعظ والنصائح، ويتذكر ما ورد في الشريعة من ذم المستهزئين وتعذيبهم يوم القيامة بصورة الاستهزاء، قال الله جل شأنه:
" لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " (14).
وقال (ص): " إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هلم هلم! فيجئ بكربه وغمه، فإذا أتى أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم! فيجئ بكربه وغمه، فإذا أتى أغلق دونه.
فما يزال كذلك، حتى يفتح له الباب، فيقال له: هلم هلم! فما يأتيه ".
وقال ابن عباس في قوله تعالى:
" يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " (15).
" الصغيرة: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة: القهقهة بذلك ".
وفيه إشارة إلى أن الضحك على الناس من الجرائم العظيمة.
ثم جميع ما ذكر إنما هو في حق من يؤذي الناس ويهينهم باستهزائه وسخريته، وأما من جعل نفسه مسخرة ويسر بأن يهزل ويسخر به، وإن كان هو ظالما لنفسه خارجا عن شعار المؤمنين، حيث أهان نفسه وأذلها، إلا أن سخرية الغير به من جملة المزاح، ويأتي ما يذم منه وما يحمد، وإنما المحرم منه ما يؤدي إلى إيذائه وتحقيره: بأن يضحك على كلامه إذا يخبط ولم ينتظم، أو على أفعاله إذا كانت مشوشة، أو على صورته وخلقته إذا كان قصيرا أو طويلا أو ناقصا بعيب من العيوب. فالضحك على جملة ذلك داخل في السخرية المنهي عنها.
وطريق علاجه - بعد تذكر ما تقدم - أن استهزاءه يوجب خزي نفسه يوم القيامة عند الله وعند الملائكة والنبيين وعند الناس أجمعين، فلو تفكر في حسرته وحيائه وخجله وخزيه يوم يحمل سيئات من استهزأ به ويساق إلى النار، لأدهشه ذلك عن إخزاء غيره، ولو عرف حقيقة حاله يوم القيامة،