أبالي، فمثله غرضه اللدد واللجاج.
فتنحصر الخصومة الجائزة بمخاصمة المظلوم الذي يطلب حقه وينصر حجته بطريق الشرع من غير قصد عناد وإيذاء، مع الاقتصار على قدر الحاجة في الخصومة من دون أن يتكلم بالزائد ولا بكلمات مؤذية، ففعله ليس بحرام وإن كان الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا، إذ ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر أو متعسر، لأنها توغر الصدر، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب ذهب المتنازع فيه من البين، واشتد الحقد بين المتخاصمين حتى يحزن كل واحد بمسرة صاحبه ويفرح بمساءته. فالخصومة مبدأ كل شر، فينبغي ألا يفتح بابها إلا عند الضرورة على قدر الضرورة، ولا يتعدى عن الواجب، إذ أقل درجاتها تشوش الخاطر، حتى إنه في الصلاة ليشتغل بمخاصمة الخصم، ويتضمن الطعن والاعتراض، أي التجهل والتكذيب، إذ من يخاصم غيره إما يجهله أو يكذبه، فيكون آتيا بسوء الكلام، ويفوت به ضده، أعني طيب الكلام، مع ما ورد فيه من الثواب.
وكذا الحال في المراء والجدال.
وبالجملة: المراء والجدال والخصومة، سوى ما استثنى، من ذمائم الأفعال ومبادئ أكثر الشرور والفتن، ولذا ورد بها الذم الشديد في الأخبار قال رسول الله (ص): " من جادل في خصومة بغير علم، لم يزل في سخط حتى ينزع ". وقال (ص): " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ". وقال (ص): " ما أتاني جبرئيل قط إلا وعظني، فآخر قوله لي: إياك ومشادة الناس، فإنها تكشف العورة وتذهب بالعز ". وقال أمير المؤمنين (ع): " إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الأخوان، وينبت عليهما النفاق ". وقال علي بن الحسين عليهما السلام:
" ويل أمة فاسقا من لا يزال مماريا! ويل أمة فاجرا من لا يزال مخاصما!
ويل أمة آثما من كثر كلامه في غير ذات الله! ". وقال الصادق (ع):
" لا تمارين حليما ولا سفيها، فإن الحليم يغلبك والسفيه يؤذيك ".
وقال: " إياك والمشادة، فإنها تورث المعرة وتظهر العورة ". وقال (ع):
" إياكم والخصومة، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق، وتكسب