يستدل لهم أيضا بالصحيح عن ابن مسكان قال حدثني صاحب لي ثقة انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينتهى إلى الماء القليل في الطريق ويريد ان يغتسل وليس معه اناء والماء في وهادة فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه وكفا من خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله ثم يغتسل فان الظاهر من تقرير الإمام (ع) وأمره بالنضح الذي هو مانع من رجوع الغسالة إلى الماء يدل على كونه محذورا يجب علاجه واما كون النضح مانعا عن الرجوع فقد ذكروا في تقريبه وجهين أحدهما ان يكون المراد انه ينضح بالأكف على الأرض فيوجب رشها سرعة جذب الماء ثانيهما ان يكون المقصود نضح بدنه بالماء من الجهات الأربع حتى يتعجل وصول الماء إلى البدن فيتم غسله قبل رجوع الماء إلى الوهادة * (والجواب) * عنه أولا ان نضح الأكف من الماء على الجواب وان أمكن كونه مانعا من عود الماء في بعض الفروض الا ان هذا لا يصحح لطلاق الجواب لو كان رجوعه إلى الماء موجبا الفساد الغسل بل كان اللازم على الإمام (ع) على هذا التقدير ان يأمره بوضع حائل من تراب ونحوه إن أمكن أو يأمره باقتصاره في غسل بدنه على الأذهان وعدم اكثار الماء على وجه يجرى غسالته في الوهادة بمقدار يصير مائها مستعملا والظاهر أن نضح الأكف من المياه القليلة التي توجد في الطريق عند إرادة الوضوء أو الغسل في حد ذاته مستحب ولعل الحكمة فيه رفع كراهة الاستعمال من مثل هذه المياه التي يرد عليها السباع وغيرها وقد ورد الامر به للوضوء في رواية الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا اتيت ماء فيه قلة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضأ وقد ورد الامر به أيضا في صحيحة علي بن جعفر الآتية وثانيا ان غلبة اشتمال بدن الجنب على النجاسة مانعة من ظهور الصحيحة في كون المحذور الذي تخيله السائل هو محذور اختلاط الماء بالماء بالمستعمل في الحدث الأكبر من حيث هو فلعل المحذور الذي تخيله نجاسة الماء بوصول الغسالة وثالثا ان المحذور الذي قرره الإمام (ع) يحتمل ان يكون محذور كراهة الاستعمال وليس في الرواية ما يدل على أن السائل كان يرى حرمته حتى يكون تقريره أو بيان العلاج له اغراء بالجهل ويؤيد هذا الاحتمال وضوح كون العلاج مبنيا على المسامحة وبما ذكرنا ظهر لك ان هذه الرواية على خلاف مطلوبهم أذل ولذا استدل بها بعضهم لاثبات الجواز بل عن الشيخ الذي هو قائل بالمنع انه ارتكب التوجيه فيها بحملها على الضرورة أو غير غسل الجنابة واستدل لهم أيضا برواية حمزة بن أحمد وفيها ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت (ع) وهو شرهم وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ إلى غير ذلك من الاخبار التي لا يخفى ما فيها على المتأمل واستدل لهم أيضا بالاحتياط تحصيلا للقطع بفراغ الذمة عما هو مشروط بالطهارة * (وفيه) * بعد الغض عن ورود الأوامر المقتضية للاجزاء ان استصحاب مطهرية الماء حاكم على قاعدة الاشتغال هذا مع أن يكون الاحتياط مرجعا للشاك في مثل المقام لا أصل البراءة فيه كلام سنشير إليه في مبحث الوضوء إذا اقتضاه المقام [انش] حجة المجوزين مضافا إلى الأصل والاطلاقات صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب ويمكن المناقشة في دلالتها بان الاغتسال في الحمام لا يستلزم صيرورة مائه مستعملا لان الاغتسال في الحمام عادة لا يتحقق الا في الحياض الكبار أو في خارج الماء حول الحياض الصغار والمانع ملتزم بنفي البأس في الصورتين ولم يكن مقصود السائل أيضا من سؤاله على ما يشهد به ذيل الجواب معرفة حكمه من هذه الجهة وانما تخيل نجاسته بمباشرة الجنب فنفى الإمام (ع) عنه البأس الذي توهم وبين وجه غسله رجليه حتى لا يبقى له شبهة أصلا ويمكن دفعها بما عرفت فيما سبق من أنه يفهم من مثل هذه الرواية ان البأس المعهود لديهم لم يكن الا نجاسته ولذا لم يستظهر الإمام (ع) من كلام السائل مع اطلاقه الا توهمه ثبوت البأس من هذه الجهة كما يشهد به سوق الجواب فتأمل واستدل لهم أيضا بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء وهو متفرق فكيف يصنع به وهو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه فقال إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه وكفا عن امامه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه وان كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه وان كان الماء متفرقا فقدر ان يجمعه والا اغتسل من هذا ومن هذا وان كان في مكان وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل ويرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه فان قوله (ع) لا عليه ان يغتسل ويرجع الماء فيه يدل على جواز الاغتسال مما يرجع اما في حال الضرورة فواضح واما في غير حال الضرورة فلا ان الظاهر أن المراد من قوله لا يكفيه لغسله عدم كفايته بحسب المتعارف والا فحيثما فرض كغاية هذا الماء لغسل جميع بدنه ولو بإعانة ما يأخذه من غسالته فلا محالة يمكنه الاغتسال منه على
(٦٩)