من عرفت أيامها فسنتها الرجوع إلى أيامها من غير اعتناء بأوصاف الدم ومعلوم ان مصادفة الدم لأيامها انما هي امارة لتشخيص الحيض عما ليس بحيض الذي هو استحاضة فيما هو المفروض موضوعا في تلك الأخبار فالعبرة أولا وبالذات على هذا وانما بقول على الأوصاف من لا يمكنها تشخيص حيضها عما ليس بحيض بامارة أقوى ككونه في أيام العادة أو بالقطع ككونها في سن من لا تحيض أو كون الدم مسبوقا بحيض أو نفاس محقق أو غير ذلك وكيف كان فالذي يظهر بالتصفح في كلمات الأصحاب بحيث لا يشوبه شائبة الارتياب ان الدم تختص برؤيته المرأة من حيث كونها مرأة لا من حيث كونها مقروحة أو مجروحة إذا رأته أقل من ثلاثة أيام ولم يكن من دم النفاس أو رأته بعد اليأس بل وكذا في حال الصغر كونه بحكم دم الاستحاضة في الجملة من المسلمات بل من ضروريات الفقه بحيث لم يخالف فيه على اجماله أحد بان يقول دم اليائسة مثلا ليس بحكم الاستحاضة أصلا وكفى بذلك دليلا على استكشاف رأس المعصوم خصوصا في مثل هذا الفرع العام البلوى الذي يمكن دعوى الجزم بان كونه مسلما لديهم يكشف عن استقرار السيرة عليهم ومعهوديته من صدر الاسلام ووصوله إليهم يدا بيد وحيث انا علمنا بطلان قول المفصل وانه انما صار إليه لشبهة حصلت له تعين المصير إلى ما صار إليه غيره من الحكم بكون كل ما ليس بحيض ولا نفاس استحاضة من دون تفصيل ويدل عليه مضافا إلى ذلك استقراء الموارد التي وقع فيها السؤال عن حكم ما تراه المرأة من الدم كرواية أبى المغرا قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة ان كان دما كثيرا فلا تصلين وان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين والمراد من الدم القليل هو الدم الذي ليس بحيض كما أن المراد من الدم الكثير هو الدم المستمر الذي يمكن ان يكون حيضا وتوصيفهما بالقلة والكثرة على الظاهر للجري مجرى العادة وصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد الله (ع) ان أم ولدى ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة قال فقال إلى إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتستوضأ وتحتشي بكرسف وتصلى الحديث وظاهرها إرادة الوضوء بسبب الدم فيدل على أن الدم الذي ليس من الطمث حدث فيتم سائر احكامه بعدم القول بالفصل ومنها مرسلة يونس القصيرة المتقدمة وفيها فان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام إلى أن قال وان مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انما كان من علة اما من قرحة في جوفها واما من الجوف فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها لأنها لم تكن حائضا [الخ] وقد تقدم في مبحث الحيض التنبيه على أن الغسل المأمور به بعد يوم أو يومين لا يمكن ان يكون غسل الحيض توجب ان يكون غسل الاستحاضة * (ومنها) * رواية إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال إن كان دما عبيطا فلا تصلى دينك اليومين وان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين وهذه الرواية لا بد من تأويل صدرها بما لا يخالف النص و الاجماع والمراد بقوله (ع) وان كان صفرة على ما يشهد به سوق الكلام انه إن لم يكن ذلك الدم العبيط الذي تترك لأجله الصلاة فلتغتسل لان المتبادر من مثل هذه العبارة كون الموضوع في القضية الثانية نقيض ما هو انما هو لنكتة الغلبة إلى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع الواردة في دم المرأة التي رتب فيها الشارع عليه اثار الاستحاضة عند انتفاء احتمال كونه حيضا فإنه لا يبعد ان يدعى أنه يستفاد من تتبع الموارد ولو باعتضاده بالفتاوى ان الدم الذي تراه المرأة ما لم يكن من قرح أو جرح أو نحوهما مطلقا حدث فهو اما حيض أو نفاس أو استحاضة فمتى انتفى الأول ان يتعين الثالث فهذا اجمالا ممالا ينبغي الاستشكال فيه وانما الاشكال بل الخلاف في أنه كما يعتبر في الحكم بكون الدم استحاضة احراز عدم كونه حيضا أو نفاسا كذلك يعتبر العلم بعدم كونه من قرح أو جرح أو دم عارضي آخر بمنزلتهما فلا يحكم بكونه استحاضة الا عند انتفاء سائر الاحتمالات أو يدل عليه دليل تعبدي بالخصوص من نص أو اجماع كما في الدم المتجاوز عن العادة أو بعد النفاس والا فيرجع إلى الأصول أم يكفي عدم العلم بكونه من سائر الدماء مطلقا أو يفصل بين احتمال الجرح أو القرح وبين سائر الاحتمالات فلا يعتنى في الثاني دون الأول لاعتناء الشارع كما عرفته في باب الحيض دون سائر الاحتمالات أو يفصل في ذلك أيضا بين ما لو كان الاحتمال ناشيا من العلم بوجود قرح أو جرح وبين غيره فلا يعتنى بالاحتمال مطلقا الا عند العلم بوجود القرح أو الجرح كما هو مورد اعتناء الشارع باحتمالهما وجوه بل أقوال أقواها عدم الاعتناء مطلقا بشرط أن لا يكون منشأ سائر الاحتمالات وجود علة محققه مقتضية لقذف الدم واليه يرجع التفصيل الأخير فان تخصيص القرح والجرح المعلومين بالذكر على الظاهر ليس إلا لانحصار الاحتمال الناشئ من سبب محقق عادة بكونه منهما وينبغي تقييده أيضا بما إذا لم يكن احتمال كونه استحاضة مما يبعده العادات والامارات كما لو رأت الصغيرة الدم وهي في سن الرضاع * (وكيف) * كان فيدل على عدم الاعتناء بساير الاحتمالات فيما اخترناه بناء العقلاء فإنك إذا راجعت العرف لا تكاد تجد امرأة تعتني عند خروج الدم من فرجها ما لم تكن مجروحة أو مقروحة باحتمال كونه غير الدم الطبيعي الذي يختص برؤيته النساء بل لا ينصرف ذهنها عند رؤيتها للدم الا إلى الدم المعهود كما لا ينسبق إلى الذهن عند اطلاق قولك المرأة ترى الدم الا إلى الدم المعهود وكان سره أصالة السلامة النافية الساير الاحتمالات القاضية
(٢٩٧)