معلق في ظواهر الأدلة بعنوان المسجدية لا بمعناها فمن المحتمل أن لا يكون مجرد شرافة المكان وأفضلية الصلاة فيه مناطا للحكم حتى يدعى الاشتراك لان من الجايز ان يكون لعنوان المسجدية وكون المكان موضوعا لعبادة الله وتسمية بيته تعالى مدخلية في الحكم واما التعظيم فلا يجب مراعاته الا إذا استلزم تركه التوهين وكونه كذلك فيما نحن فيه غير مسلم خصوصا إذا تعلق بدخوله في المشاهد غرض صحيح بل ربما يكون دخوله تعظيما كما لو ضاق عليه وقت التشرف ولم يتمكن من التطهير وان كان ترك الدخول في مثل هذا الفرض أيضا بقصد التعظيم لعله أعظم ولا منافاة بينهما لان اتصاف الفعل بكونه تعظيما من الأمور التي تختلف بالقصود وملاحظة الجهات والأحوال والأزمنة والأمكنة كما لا يخفى واستدل له أيضا بان حرمة الأئمة عليهم السلام بعد وفاتهم كحرمتهم احياء وقد ورد النهى عن دخول الجنب بيوتهم في حال الحياة في عدة من الاخبار ففي رواية بكير بن محمد قال خرجنا من المدينة نريد منزل أبى عبد الله عليه السلام فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق وهو جنب ونحن لا نعلم حتى دخلنا على أبي عبد الله (ع) قال فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال يا أبا محمد اما تعلم أنه لا ينبغي لجنب ان يدخل بيوت الأنبياء قال فرجع أبو بصير ودخلنا وفي رواية الارشاد عن أبي بصير قال دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى أبي عبد الله عليه السلام فخفت ان يسبقوني ويفوتني الدخول إليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبى عبد الله (ع) نظر إلى ثم قال يا أبا بصير اما علمت أن بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب فاستحييت فقلت انى لقيت أصحابنا فخشيت ان يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها و خرجت * (و) * في رواية الحميري عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله (ع) وانا أريد ان يعطين من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر (ع) فلما دخلت وكنت جنبا فقال يا با محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل على وأنت جنب فقلت ما عملته الا عمدا قال أولم تؤمن قلت بلى ولكن ليطمئن قلبي وقال يا با محمد قم فاغتسل فقمت واغتسلت وصرت إلى مجلسي وقلت عند ذلك أنه امام * (وعن) * جابر الجعفي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال اقبل اعرابي إلى المدينة فلما قرب المدينة خضخض ودخل على الحسين عليه السلام وهو جنب فقال له يا اعرابي اما تستحيي الله تدخل إلى امامك وأنت جنب ثم قال أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم الحديث وفي مرسلة بكير قال لقيت أبا بصير المرادي فقال أين تريد قلت أريد مولاك قال انا اتبعك فمضى فدخلنا عليه وأحد النظر إليه وقال هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضبك وقال أستغفر الله ولا أعود والانصاف ان استفادة الحرمة من هذه الأخبار مع ما فيها مما يشعر بالكراهة في غاية الاشكال لامكان دعوى القطع بأنه لم يزل يبيت الجنب والحائض من أهل بيتهم و مواليهم والواردين عليهم في بيوتهم ولم يكونوا يكلفونهم بالخروج أو المبادرة إلى الغسل أو التيمم كيف ولو كان الامر كذلك لشاع الحكم بين مواليهم وصار لأجل معروفيته من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى عصر الصادقين من ضروريات الدين فكيف يختفي عن مثل أبي بصير الذي لم يزل يتردد إلى بيتهم هذا مع أن الذي يساعده الاعتبار ويؤيده ألفاظ الروايات ان هذا الفعل لم يصدر من أبي بصير الا مرة أو مرتين مرة للاختبار وأخرى مخافة فوت الدخول فمن المحتمل إن لم تكن العبارة الصادرة من الإمام (ع) الا بلفظ لا ينبغي الظاهر في الكراهة كما في الرواية الأولى وعلى تقدير صدور الفعل منه مرارا فهو من أقوى الشواهد على الكراهة إذ لو فهم من النهى في الواقعة الأولى الحرمة لما عاد إلى مثله ابدا بل مقتضى كلامه في الواقعة التي صدرت منه للاختبار كونه عالما بمرجوحية الفعل وانما صدر منه عمدا تحصيلا لاطمينان القلب الذي لا يحصل الا بالمشاهدة فلو علم حرمته الدخول في البيت لاختبره بشئ آخر مما يجوز له ارتكابه ولامره الإمام (ع) بالتوبة كما امره بالغسل فتأمل وليس غضب الإمام (ع) على ما يشعر به الرواية الأخيرة دليلا على حرمة الفعل واستحقاق العقاب عليه لامكان ان يكون غضبه الكراهة الفعل ومنافاته المرتبة أبي بصير الذي لا ينبغي ان يصدر منه ما ينافي الأدب ثم لو سلمت دلالتها فغاية مفادها حرمة الدخول في بيوتهم احتراما كما يشعر به سياق الاخبار ومقتضى اطلاقها بل ظاهر التعبير بقوله هكذا تدخل بيوت الأنبياء حرمة الدخول في بيتهم مطلقا بعد تحقق النسبة سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم فلا يحتاج الاستدلال إلى المقدمة الخارجية من أن حرمتهم بعد مماتهم كحرمتهم احياء ولكنك خبير بان التخطي عن بيوتهم إلى قبورهم مع أنه لا يصدق عليها البيت عرفا قياس لا نقول به اللهم الا ان يدعى القطع باشتراكهما فيما أنيط به الحكم وعهدتها على مدعيه ثم إن شيخنا [قده] بعد أن استدل في جواهره بهذه الاخبار لحكم الجنب بالتقريب المتقدم أشكل في الحاق الحائض به من كونه قياسا ومن اشتراكهما في غالب الاحكام ويتوجه عليه انه ان كان مناط الحكم ما نتعقله من منافاته للاحترام فلا نرى فرقا من هذه الجهة بين الجنب والحائض وان كان شيئا اخر فلا وجه للتخطي عن مورد النص إلى مالا يسمى بيتا في العرف على سبيل الحقيقة بالنسبة إلى الجنب فضلا عن الحائض فتأمل والذي أجده من نفسي ان القول بحرمة دخول الجنب والحائض في المشاهد المشرفة أهون من الالتزام بحرمة الدخول في بيتهم حال حياتهم لان المشاهد من المشاعر العظام التي تشد الرحال للتشرف بها فلا يبعد دعوى كون دخول الجنب والحائض هتكا لحرمتها عند المتشرعة وان كان في اطلاقها نظر وهذا بخلاف بيوتهم حال حياتهم فإنها لم يعهد كونها من حيث هي في عصرهم بهذه المكانة من الشرف في انظار أهل العرف حتى يكون دخول الجنب والحائض فيها هتكا لحرمتها وقد أشرنا فيما سبق ان الإهانة والتعظيم من الأمور الاعتبارية التي تختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والأزمنة
(٢٣٦)