ان التشكيك في حصول الإطاعة وامتثال الامر عرفا بعد فرض اتيان المأمور به بقصد الامتثال والخروج عن عهدة التكليف من قبيل التشكيك في الضروريات وثانيا ان الإطاعة والمعصية من الموضوعات التي يستفاد حكمها من العقل كما تقدم مفصلا فلا بد من أن يؤخذ الموضوع من نفس الحاكم ولا معنى للرجوع إلى غيره في تشخيص موضوعه واما ما مر عليك مرارا في مطاوي كلماتنا من الاستشهاد بالصدق العرفي فليس الا حجة على من يزعم أن الموضوع في حكم العقل أخص مما ادعيناه فتبطل دعواه بمراجعة أهل العرف والعقلاء الحاكمين بتحقق الإطاعة بايجاد المأمور به بداعي الامر إذ من المعلوم ان حكمهم بذلك منبعث عن عقولهم فيدل توافق العقول وتطابق الآراء على فساد توهم المخالف فكل من يحكم عقله بوجوب الإطاعة لا بد من أن يكون موضوع حكمه مشروحا لديه متصورا بجميع خصوصياته التي لها مدخلية في تعلق الحكم فلا يعقل الاجمال والترديد في نفس الموضوع حتى يقال إن احتمال كون معنى الإطاعة كذا كاف في وجوب الاحتياط نعم قد يشك في حصولها لا لاجمال المفهوم بل لوجود المصداق في الخارج إذا عرفت ذلك فنقول ان العقل انما يحكم بلزوم ايجاد العبد الفعل الذي ألزمه المولى بفعله بداعي إلزامه أداء لحقه وتفصيا عن عقابه بشرط علم العبد إلزامه به لا بدونه لان العلم بالحكم مأخوذ في موضوع حكم العقل عقلا وهذا الايجاد الخاص اسمه الإطاعة عرفا وحكمه الوجوب عقلا ولا يعقل التصرف في هذا الحكم العقلي أصلا ولا في موضوعه ابدا لا من الشارع ولا من غيره فكلما يفرض قيدا للإطاعة كمعرفة الوجه تفصيلا أو الجزم في النية أو غيرهما مما يحتمل اعتباره شرعا أو عرفا لابد وان يرجع عند التحليل إلى تقييد الفعل الواجب إذ لا يحكم العقل الا بوجوب ايجاد ما أوجبه المولى بداعي طلبه بل لا نتعقل بقاء الوجوب بعد ايجاد الواجب على النحو الذي أوجبه بداعي وجوبه فهذه الكيفيات ان كانت مما أوجبها بتصريحه أو بشهادة العرف أو العقل عليها يجب تحصيلها وإلا فلا كغيرها من الشرائط والأجزاء المعتبرة في الواجب ومرجع الشك في الجميع إلى الشك في أصل التكليف والمرجع فيه البراءة كما تقرر في محله وعدم امكان اخذ هذه الكيفيات قيدا للمأمور به صورة لا يصلح فارقا بين الموارد بعدما عرفت من أنها على تقدير اعتبارها من قيود الواجب الواقعي والمحبوب النفس الامري نعم بين الموارد فرق من حيث امكان التمسك بالاطلاق لنفى الشرطية والجزئية فيما يصلح كونه تقييدا للمأمور به صورة دون غيره لا في جريان أصل البراءة بل قد عرفت في صدر المبحث انه لو شك في تعلق غرضه بايجاد المأمور به بداعي الامر ليكون الإطاعة قيدا للمحبوب الواقعي فتمسك في نفيه بأصالة البراءة مع أن اعتبارها قيدا شرعي لا أصل وجوبها فكيف في مثل هذه التفاصيل التي لا وجوب لها عقلا فشرطيتها على تقدير تحققها منتزعة عن الايجاب الشرعي كغيرها من الشرائط والحاصل انه كلما يشك في اعتباره قيدا للواجب الواقعي والمحبوب النفس الامري سواء أمكن اخذه قيدا للمأمور به في العبادة أم لا يرجع فيه إلى البراءة * (نعم) * لو علم تعلق غرضه بشئ مما قد يوجد مع المأمور به أحيانا أو باتيان المأمور به على كيفية خاصة يجب احرازه والقطع بحصوله جزما لان عنوان الواجب الواقعي على هذا ما يحصل به الغرض المعلوم لا المأمور به الذي قد يتخطى عن حصول الغرض لان الموضوع في حكم العقل بوجوب الإطاعة ما علم محبوبيته للمولى وانه لا يرضى بتركه سواء وفي ببيانه لفظه أم لا والمدار في ذلك على العلم بذلك لا على الشك لما ذكرنا من أن العلم معتبر في موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة فلو شك في تعلق غرضه بشئ مما يمكن انفكاكه عن المأمور به لا يلتفت إليه أصلا ولا يجب القطع بحصوله جزما لان إظهار ما في ضميره والتكليف بما يفي بتمام غرضه من وظيفته والعقاب على ما تعلق به غرضه من دون بيانه للعبد وعلم العبد به قبيح وبما ذكرنا ظهر ما في تقرير الشبهة من المغالطة والاشتباه لظهور الفرق بين العلم بتعلق غرضه بشئ غير حاصل واحتماله وما نحن فيه من الثاني لا الأول وقد عرفت أنه يجب الاحتياط في الأول دون الثاني * (واما) * ما ذكر من أن مقاصد العقلاء في أوامرهم غالبا معلومة وانهم لا يرتابون في حصولها بوجود المأمور به ولذا يحكمون بحصول الإطاعة في أوامرهم بمجرد ايجاد المأمور به بداعي الامر * (ففيه) * منع ظاهر إذ كثيرا ما يشتبه على العبيد أغراض مواليهم مع أنهم غير ملتزمين بالاحتياط فيما يحتملون تعلق غرض المولى بحصوله بل لا يلتفتون إلى ذلك لما هو المغروس في أذهانهم من كفاية ايجاد المأمور به بداعي الامر في سقوط الامر و حصول الإطاعة * (ان قلت) * تعلق غرض الشارع في العبادات بما عدا وجود المأمور به من حيث هو معلوم وحصول غرضه بمجرد اتيان المأمور به بداعي الامر مجردا عن التفاصيل المحتمل اعتبارها غير معلوم فيجب الاحتياط * (قلت) * تعلق غرضه فيها بايجادها بعنوان الإطاعة التي قد عرفت انها عبارة عن ايجاد المأمورية بداعي الامر معلوم وقد حصل بالفرض وتعلق غرضه بشئ آخر غير معلوم والأصل بنفيه وبما ذكرنا من عدم امكان تقييد الإطاعة بشئ لا حكما ولا موضوعا وان مرجع اعتبار قصد القربة و نحوها في العبادات لدى التحليل إلى تقييد ما به تتحقق الإطاعة أي ذات الواجب لا نفس الإطاعة ظهر ما في الاستدلال لنفى اعتبار معرفة الوجه وغيرها من التفاصيل باطلاقات أدلة العبادات كقوله [تعالى] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقوله [تعالى] اعبدوا الله مخلصين له الدين * (توضيح) * ما فيه أن اعتبار هذه الأمور قيدا في العبادة يمنع من حصول مطلق الإطاعة بدونها فكيف ينفى اعتبارها اطلاق
(١٠٦)