ومنها: المروي في العلل والعيون: فإن قال قائل: فلم صارت الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين؟ قيل: لعلل شتى - إلى أن قال -: ومنها أن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله - إلى أن قال -: فإن قال قائل. فلم جعلت الخطبة؟ قيل: لأن الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم عن المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق - إلى أن قال -: وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة. فإن قال: فلم جعلت خطبتين؟ - إلى أن قال -: والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء وما يريد به أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد (1).
جعل عليه السلام أولا علة الركعتين علم الإمام وفقهه وفضله، وظاهر أن مجرد كونه كذلك في بعض الأوقات لا يصلح علة للسقوط دائما، فلا بد من اشتراط هذه الأوصاف في الإمام، ولا يشترط في إمام الجماعة اتفاقا، فيكون إمام الجمعة غيره، فهو إما الفقيه أو إمام الأصل، لعدم الفصل، ثم بملاحظة ما يلحقه من الكلام يتعين الثاني.
وثانيا علة الخطبة حصول سبب للأمير، وليس هو إلا الإمام أو نائبه الخاص، ثم قال: " وتوقيفهم على ما أراد " وليس هذا شأن كل إمام جماعة. ثم قال: " وليس بفاعل غيره " ثم قال: " وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ".
وإثبات شئ من العلم والفقه والفضل لكل إمام جماعة - مع أنه ممنوع - يجعل العلة لغوا.
وكون العلل الشرعية معرفات إنما هي في الأدلة والأسباب، دون ما يعلل به الأحكام، فإن الأصل فيها العلية الحقيقية التامة.