وبالجملة فالرواية قوية غاية القوة كالصحيحة حجة في نفسها، مع قطع النظر عن الشهرة الجابرة.
وبها يعارض جماعة في استدلالهم بالرواية الأولى على جواز التجزئ في الاجتهاد، لمكان قوله فيها: «يعلم شيئا من قضايانا» وذلك لدلالة الرواية الثانية على اعتبار المعرفة بالأحكام جملة، لمكان الجمع المضاف، وهو حيث لا عهد يفيد العموم لغة، وهي - كما عرفت - بحسب السند معتبرة، ولا كذلك الرواية الأولى، لأنها بالاتفاق ضعيفة، لأن في سندها معلى بن محمد وأبا خديجة، وحالهما في الضعف مشهورة، والشهرة الجابرة مشتركة، فقوة السند في الأخيرة مرجحة.
هذا، بعد تسليم دلالتها، وإلا فهي ممنوعة، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره الخال العلامة أدام الله تعالى ظله في بعض حواشيه ردا على بعض هؤلاء الجماعة، فقال: لا نزاع في أن العلم بجميع الأحكام ليس شرطا في الفتوى والاجتهاد، كيف! وهو من خواص الشارع، بل النزاع إنما هو في اشتراط الاطلاع بجميع مدارك الأحكام والقدرة على استنباطها ومنها التوقف، كما لا يخفى على المطلع بأحوال المجتهدين، الذين لا تأمل في اجتهادهم، بل لا يوجد مجتهد إلا ويتوقف في بعض المسائل، بل وغير واحد منها، فعلى هذا لا دلالة للرواية على التجزئ، بل على أن العالم ببعض الأحكام مجتهد، وقوله فيه حجة، والمانع للتجزئ يمنع حصول العلم ببعض الأحكام للمتجزئ، إلا أن يدعى ظهور العلم ببعضها، من دون الإحاطة بجميع المدارك في ذلك الزمان. لكن لو تم هذا بحيث ينفع محل النزاع يكون هو الدليل من دون مدخلية الرواية.
ثم أطال سلمه الله في وجه منع المانع للتجزئ عن حصول العلم للمتجزئ، ويرجع حاصله إلى ما قدمنا تحقيقه قريبا.