إذا تبين ذلك الإجمال فإليك قوله تعالى: * (يؤمنون بما أنزل إليك) * الملازم طبعا للإيمان بما انزل من قبلك، والإيمان بما انزل إليك من الأحكام، سواء كانت في القرآن أو في غيره من السنة، فإنه أيضا نازل إليه، فإنه لا ينطق عن الهوى * (إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى) * (1)، فلابد من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا شبهة في أن الإيمان ليس بنفسه مطلوبا، ولا سيما في العلوم والأحكام العملية، فهو مطلوب لأجل العمل، ولا يعقل العمل إلا بعد العلم التفصيلي بالأحكام النازلة والقوانين الجائية، فيبطل التقليد والاحتياط.
أما الثاني فلأنه ليس من الإيمان قطعا.
وأما الأول فلأنه أيضا مثله، فالمقلد وإن كان عالما بالحكم، ولكنه لا يؤمن به إلا بعدما كان مطلعا عليه على وجهه المحرر، فإن العلم غير الإيمان كما صرحوا به.
وبالجملة: الإيمان إذا عدي بالباء وإن كان معناه التصديق - كما عليه الأشاعرة والمعتزلة - ولكن لأجل ما ذكرناه تصير النتيجة: أن الإيمان بما انزل إليه يتعقبه العمل، والعمل لا يعقل إلا بعد العلم المقرون بالإيمان، فلابد من عقد القلب بما انزل إليه، وهو لا يحصل للمقلد ولا للمحتاط بالضرورة.
ومن العجب أن الفخر توهم: أن الإيمان هاهنا وإن كان معناه التصديق بالاتفاق، لكن لابد من المعرفة معه، لأنه خرج مخرج المدح،