فما ترى من الخلاف الكثير في كتب التفسير حول هذه الكريمة وسابقتها، وأنه يلزم التكرار، أو يلزم ذكر الخاص بعد العام، لأن هذه الآية وردت ونزلت في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا بكل وحي انزل من عند الله، أو يلزم ذكر العام بعد الخاص، لأن المراد من الغيب مخصوص بالنبوة الإسلامية، أو غير ذلك (1)، فكله خال عن التحقيق والتحصيل. ومثله توهم أن الإيمان الأول بالعقل والثاني بالنقل، أو أن الإيمانين مختلفان مرتبة... وهكذا (2).
ومما أشرنا إليه يظهر وجه تقديم * (يؤمنون بالغيب) * على الإيمان بما انزل إليه، لأنه بمنزلة السبب والعلة والأساس، وقد مضى شطر من الكلام حول الآية السابقة عموما وخصوصا، ومما ذكرناه: اختصاص تلك الآية الشريفة بالإيمان بوجود الحجة المنتظر - عجل الله تعالى فرجه - حذرا عن التكرار المتوهم في المقام. وبالجملة، لا إشكال عليهما من ناحية البلاغة وأن التكرار خلافها.
ولو كان المراد من الغيب القرآن وما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة إلى الغائبين عن عصر النزول، فلا يكون أيضا تكرارا، لأن الآية السابقة في مقام مدح الإيمان بالغيب، وهذه الآية في مقام تعيين ما هو المراد من الغيب، ولو كان تكرارا فلا يكون خلاف البلاغة، بل يؤكدها، كما لا يخفى.