تستدل بذلك الملائكة على أنهم لا يؤمنون. وهذا هو مختار أبي علي الجبائي والقاضي تبعا للحسن البصري (1).
أقول: الخبير البصير يعرف أن المستعملين البدويين ليسوا يعرفون هذه الدقائق والتخيلات، إلا في بعض الأحيان مما يخطر ببالهم حين الإطلاق والاستعمال، وليس حقيقة الأمر إلا استعمال هذه الألفاظ في المعاني الموضوعة، مقرونا بالقرائن التي بها يستدل المستمع على الآراء والمقاصد الحقيقية والذاتية الموجودة في أنفسهم، من غير ادعاء أو تجوز وتلاعب في استعمال اللفظ في غير الموضوع له، بل للمستعمل نقل أذهان المخاطبين والقارئين إلى مقاصده العالية - الخارجة عن حدود اللغات - بالمفاهيم القريبة من تلك المعاني الرقيقة لبعض المناسبات، من غير إمكان الاطلاع على تلك المناسبة إذا كانت كثيرة.
ولا يجوز للباحث الفاحص تعيين تلك المناسبة القريبة إلى ذهنه، لأن القرب والبعد ليسا ميزانا للخطور حين الاستعمال، مع أن القرب والبعد عنده غير القرب والبعد عند الشاعر والناثر، حسب اختلاف المحيط ومنطقة الاستعمال وحال المستعمل، وحيث إن الكتاب الإلهي - في هذه النشأة والمرحلة - لا يتجاوز عن سائر التآليف العربية والنسائج الكلامية فلا يمشي ممشاة أخصائية، فلا يستعمل كلمات الختم والغشاوة، ولا كلمات القلوب والاسماع والأبصار - بناء على كونها للآلات والجوارح - إلا في المعاني اللغوية الموضوعة لها ألفاظها، ولكن