الذكرى المتضمن للتفصيل بين الدفعة والتدريج: " وهذا التفصيل حسن، لأنه مع التدريج يتأدى الواجب بمسح جزء فيحتاج ايجاب الباقي إلى دليل، والأصل يقتضي عدم الوجوب، بخلاف ما لو مسحه دفعة، إذ لم يتحقق فعل الفرد الواجب إلا بالجميع " انتهى والسيد السند في المدارك جعل مطرح خلاف في المسألة هو المسح تدريجا.
ولا يخفى - على المتأمل بعين التحقيق والناظر بالفكر الصائب الدقيق - أن كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة ونظائرها على غاية من الاجمال.
وتحقيق المقام - بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم السلام) - أن يقال: لا ريب أن منشأ التخيير في هذا المقام هو اطلاق الأمر بالمسح الصادق بجزء من إصبع - مثلا - إلى بلوغ قدر ثلاث أصابع مضمومة التي هي أعلى المراتب، فالواجب الكلي هو المسح المطلق وأفراده هي كل مسحة قصدها المكلف وأوقعها، قليلة كانت أو كثيرة، فكل فرد منها أتى به تأدى به الواجب، وكل فرد ناقص منها فهو مفضول بالنسبة إلى ما هو أزيد منه، وكل واحد من الأفراد المشتملة على الزيادة يوصف في حد ذاته بالوجوب لكونه أحد أفراد الواجب الكلي، وبالاستحباب لكونه أكمل مما دونه، وهذا معنى قولهم في الفرد الأكمل من أفراد الواجب التخييري: أنه مستحب ذاتي واجب تخييري، وحينئذ فمتى مسح المكلف القدر الأكمل دفعة أو تدريجا، بمعنى أنه قطع على جزء في أثناء مسحه ثم تجاوزه، فإن كان قصده ونيته الامتثال بذلك القدر الأكمل، فمن الظاهر أن الزائد على القدر المجزئ - وهو المسمى، أو القدر الذي قطع عليه أولا - واجب. إذ الواجب هو مجموع ما قصده، وما أتى به من القدر المجزئ ضمن هذا المسح أو قطع عليه لا يخرج به عن العهدة، لعدم قصد الامتثال به خاصة بل به وما زاد، إلا أن يعدل إلى قصده، ولو أجزأ من غير قصد يتعلق به للزوم اجزاء عبادة من غير نية، وقد عرفت غير مرة أن الأفعال عبادة وغيرها لا تميز لها وجودا وعدما - ولا أثر يترتب عليها صحة وبطلانا وثوابا وعقابا - إلا بالمقصود والنيات،