من التكليف الثابت بيقين، وهو لا يتم إلا بالغسل من الأعلى.
وما ذكره البعض - من أن تحصيل يقين البراءة إنما هو من الاحتياط المستحب وليس بواجب - فليس على اطلاقه، وذلك فإن تحصيل يقين البراءة أما أن يكون بعد ثبوت الحكم شرعا بإرادة المطابقة لما هو الحكم واقعا والخروج من جميع الاحتمالات المنافية للمطابقة، وهذا هو المستحب، كالتنزه عن جوائز الظالم ونحوه، ونكاح من علم ارتضاعها معه لكن لم يعلم حصول القدر المحرم ولا عدمه، ونحو ذلك، وأما أن يكون مع عدم ثبوت الحكم شرعا، فيكون الغرض من الاحتياط تحصيله، وهذا هو الواجب، ولا يخفى أن ما نحن فيه من قبيل الثاني دون الأول، فإن عدم ثبوت الحكم ومعلوميته أعم من أن يكون لعدم الدليل بالكلية، أو لتعارض الأدلة، أو لاشتباه الحكم منها، أو نحو ذلك، وما نحن فيه من قبيل الثاني، لتعارض ظاهر الآية والأخبار. والجمع الذي ذكروه بينهما لا يتعين المصير إليه، لاحتمال غيره بل رجحانه عليه، فيبقى الحكم في قالب الاشتباه.
وتوهم استحباب الاحتياط في مثل ذلك مردود بالأخبار المستفيضة الدالة على الأمر بالوقوف على جادة الاحتياط مع الشك والاشتباه، كما تقدم لك بيانه في المقدمة الرابعة.
ومن ذلك ما ورد عن الصادق (عليه السلام) في جملة من الأخبار في كلامه مع بعض الزنادقة المنكرين للصانع (1) حيث قال (عليه السلام): " إن يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول - فقد نجونا وهلكتم، وإن يكن الأمر كما تقولون - وليس كما تقولون - فنحن وأنتم سواء، ولن يضرنا ما صلينا وصمنا... الحديث ".
وفيه دلالة على وجوب سلوك ما فيه النجاة ودفع الضرر عند الاشتباه، وهو بعينه ما ذكروه من الدليل العقلي على وجوب معرفة الصانع، من أنها لدفع الضرر، وهو واجب. وكما يجب دفع الضرر المحقق فكذا دفع الضرر المشتبه، فإن من عرض