دون التروك - منقوض بالصوم والاحرام. والجواب بأن الترك فيهما كالفعل تحكم.
ولعل ذلك من أقوى الأدلة على سهولة الخطب في النية وأن المعتبر فيها يتخيل المنوي بأدنى توجه. وهذا القدر أمر لا ينفك عنه أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان، ومن هنا قال بعض الفضلاء: لو كلفنا الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق. وهو كلام متين لمن تدبره ". انتهى.
أقول: الظاهر أن وجه الاشكال الذي أشار إليه (قدس سره) في ذلك هو أن كلا من الطهارة ونحوها من العبادات وإزالة النجاسة وما شابهها مما قد وقع التكليف به من الشارع، مع أنهم قد أوجبوا النية في القسم الأول دون الثاني، ووجه الفرق غير واضح.
وأنت خبير بأنه إما أن يراد بالنية هنا المعنى اللغوي الذي هو عبارة عن مجرد القصد إلى الفعل، كما يشعر به آخر كلامه من قوله: " وأن المعتبر فيها تخيل المنوي... الخ " أو المعنى الشرعي الذي هو القصد المخصوص المقرون بالقربة، كما يشعر به صدر كلامه من الاستدلال بالآية والأخبار المشار إليها. وعلى الأول يكون الاشكال في إزالة النجاسة من جهة أنه لا يجب في إزالتها القصد إلى ذلك، بل لو زالت بوقوع الثوب في الماء أو إصابة المطر له اتفاق أو نحو ذلك كفى في الحكم بالطهارة. وعلى الثاني أيضا أنه متى كان الأمر كذلك فبالطريق الأولى أن لا يشترط في الإزالة القربة ولا نية الندب ولا غيرهما من قيود النية الشرعية.
وجملة من الأصحاب قد أجابوا عن الاشكال المذكور بالفرق بين المقامين، وأن النية إنما تجب في الأفعال من حيث وقوعها على أنحاء متعددة، كما تقدم منا بيانه في المقام الأول (1) فلا بد من النية في تميز بعضها عن بعض، وأما التروك فباعتبار كونها مرادة للشارع لكن لا على وجه مخصوص بل بأي وجه تحققت، فليس هناك وجوه متعددة